منوعات

«أولو جامع» في بورصة التركية .. شاهد على التاريخ العثماني

يعتبر “أولو جامع” أو ما يعرف بـ”الجامع الكبير” في مدينة بورصة التركية التي كانت عاصمة الدولة العثمانية قبل فتح القسطنطينية، واحدا من أهم إبداعات العمارة الإسلامية العثمانية، حيث يتميز المسجد بهندسة معمارية فريدة.

وتقوم هندسة “أولو جامع” عموما على شكل مستطيل مساحته خمسة آلاف متر مربع، ويتميز عن باقي جوامع تركيا باحتوائه على عشرين قبة مرتبة على أربعة صفوف، في كل صف خمس قباب مدعمة بواسطة اثني عشر عمودا.

وبحسب المؤرخين الأتراك، يقال إن سبب بناء القباب الـ20، أنه في العام 1396م قام ملك المجر وحلفاؤه الأوروبيون بمهاجمة قلعة “نيكوبوليس” بجيش كبير وكانت القلعة حينذاك تابعة للعثمانيين، وقام السلطان العثماني بايزيد الأول، بتجهيز جيش للدفاع عن القلعة وصد هجوم ملك المجر وحلفائه، ونذر “بايزيد” في دعائه بعد الصلاة أن يبني 20 مسجدا في حال انتصاره على أعدائه وهو ما حدث بالفعل وبعد عودته إلى مدينة بورصة، اقترح عليه مستشاره أن يبني مسجدا واحدا كبيرا له 20 قبة، بدلا من بناء 20 مسجدا صغيرا وفاء لنذره.

ويصف إسماعيل ياغجي المؤرخ التركي، هندسة وعمارة “أولو جامع” بقوله: إنه أحد أهم إبداعات العمارة الإسلامية العثمانية في مراحلها الأولى.

وأضاف قائلا: “يختزل هذا الجامع، الذي بني على الطريقة المعمارية السلجوقية بأمر من السلطان العثماني بايزيد الأول، حيث استغرق البناء حوالي أربع سنوات في الفترة ما بين عامي 1396 و1400م، تاريخا يعكس عمارة العصر في ذلك الوقت”.

وأردف قائلا: “وتأخذ الزائر الدهشة عند تجوله في “أولو جامع” إذ تمكنه هندسته المعمارية ومحتوياته النفيسة من الاقتراب أكثر من تفاصيل مهمة من التاريخ الإسلامي والعلوم والاكتشافات والثقافة الإسلامية والتمتع بجمال الفنون الآسرة كما تتجلى عظمة الحضارة في مقتنيات المكان”.

أما عرفان ألتين كرادش الإعلامي التركي والمتخصص بالفنون الإسلامية فاعتبر، أن “أولو جامع” يتجاوز كونه وجهة دينية للعبادة بل يقف

وأضاف قائلا: “كما أن الزائر للجامع لا يستمتع بالعبادة فحسب، بل سيشاهد أيضا أجمل التحف الأثرية والتحف المعمارية”.

ويحظى الجامع بشهرة واسعة داخل تركيا وخارجها باعتباره متحفا فنيا مفتوحا للخط العربي، فجدرانه تضم 192 لوحة كتبها 41 خطاطا بأنواع خط مختلفة، منها 87 لوحة مكتوبة على الجدران مباشرة، والباقي لوحات معلقة على الجدران، تركز على موضوعات ذات صبغة دينية يأتي على رأسها لفظ الجلالة “الله” مع بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، إلى جانب بعض الحكم المأثورة.

وتتوسط صحن الجامع نافورة بديعة من الرخام الأبيض وضعت بعد بناء المسجد بحوالي 220 سنة وهي تحتوي على ثلاثة وثلاثين مخرجا للماء، موزعة على ثلاثة مستويات، وعند خروج الماء من تلك الفتحات فإن صوته يبعث السكينة والاسترخاء داخل نفوس المصلين كما يعمل على امتصاص جزيئات الغبار والدخان بصحن المسجد، إلى جانب استخدام هذا الماء في الوضوء والطهارة فتجتمع سكينة الباطن مع طهارة الظاهر.

ولتلك النافورة وظيفة بيئية هامة حيث تقوم بدور التكييف الطبيعي لهواء المسجد عن طريق ترطيب الهواء الداخل من القبة المفتوحة بلا نوافذ والتى تعلو تلك النافورة تماما، إلى جانب أنه في الماضي حيث كانت تستخدم الشموع والمصابيح التقليدية، فكان الماء يقوم بامتصاص نواتج دخان ما يقرب من 700 مصباح وشمعة كانت تستخدم في إضاءة المسجد قبل استخدام الثريات والمصابيح الكهربائية الحديثة.

ويمكن القول إن “أولو جامع” يعتبر تحفة معمارية، فتصميمه المذهل وتاريخه الغني وموقعه الجميل يجعله وجهة لا بد من زيارتها لأي شخص يزور مدينة بورصة التركية، سواء كان مهتما بالعمارة العثمانية والتاريخ الإسلامي أو يقدر الفن والتصميم الهندسي الجميل.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى