نبيل فكري .. يكتب: أيها «الموظف العمومي» .. حضرتك وسيادتك «شغَّال عندنا»
تؤلمني وتستفزني جداً تلك البيانات الإعلامية التي تصلني من هنا ومن هناك، ترصد جولات وقرارات مسؤول ما، فتخلع عليه من الصفات ومن المسميات ما لا أساس له ولا سند، بل إنها تتجاوز الحقيقة تماماً، ناسية أنه «شغَّال عند الشعب»، يحصل منا على راتبه وعلى سيارته الفارهة وعلى رواتب حرسه إن كان له حرس، ونفقات استراحته إن كانت له استراحة.
يأتيك البيان من صحفي «ابن ناس» من المفترض أنه محترم، وحافظ لميثاق الشرف الصحفي، وقبل هذا هو أكيد معتد بنفسه وبمهنته وبالشعب الذي ينتمي إليه .. يأتيك فيكتب لك عن فلان أو علّان، وهما موظفان عموميان درجة «ألف»: ووجه سيادته بكذا، وقال معاليه كذا !!
أي سيادة وأي معالي .. ما هذا العبث وما تلك «الطرابيش» التي ولّى زمانها تخلعونها على من يصدقون أنفسهم مع الأيام، فيظنون أنهم ملهمون، وأن الله حبانا بهم، ومع الوقت، يصدقون أنه لولا أفكارهم النبيهة، ربما ما وصلنا لما وصلنا إليه (هم على يقين أننا وصلنا للعلالي).
أمس، وصلني من صحفي كبير، بيان، يقول إنه تحت رعاية فلان وفلان، التقى «فلان» «علان» .. أي والله .. لهذه الدرجة وصل الأمر ؟ أن يلتقي أحد بآخر، ذلك يحتاج إلى أن يرعاه طرفان، ولا أدري للآن ماهية تلك الرعاية ولا شكلها ولا كيف كانت، وحاولت أن أتخيلها، فلم أستطع.
حين بدأت العمل بالخارج .. في الإمارات .. ليس بعيداً من هنا، وبرغم أنهم يشبهوننا في أشياء كثيرة، إلا أنه هالني في مستهل الرحلة أننا في الجريدة ننادي بعضنا «كبيرنا وصغيرنا» بأسمائنا مجردة .. يناديك زميلك «يا فلان»، وتناديه «يا فلان»، وربما بعد فترة طويلة من العشرة أقصى ما يمكن أن تحصل عليه، أن يقولوا «أبو فلان» هذا إن كنت كبيراً ولك ولد .. هالني ذلك، فقد كنت ذاهب لتوي من تجربة صحفية كان أكثر ما فيها أن كل مَن فيها ينادي الآخر «يا ريس» ونخلع من الصفات والألقاب ما يعجز صاحبها عن حمله، وربما لو صادف محرر صغير رئيسَ التحرير وجهاً لوجه وقتها لسقط مغشياً عليه.
كان اللافت أيضاً في الخليج أننا كنا نحصل على قائمة بالمسميات الرسمية للشيوخ والوزراء، فلا نتجاوزها .. عشرين أو ثلاثين اسماً: هذا «سمو» وهذا «معالي» والبقية حولك في كل هيئة أو مؤسسة مثلهم مثلك .. فقط «فلان» و«علان» .. كان الأمر مريحاً، حتى إن كان بقائمة رسمية.
لا أتصور كيف أننا في هذا العصر وفي تلك الأيام، بحاجة إلى أن نستعيد كل ما تخلصنا منه، فنستعيد الباشا والـ «بك» ونضيف إليهما، معالي الباشا، وسعادتك، وفخامتك، وسيادتك .. رغم أن المدقق في تلك الكلمات يراها مبالغاً فيها، ولا تصح، فلا سيادة إلا للوطن، ولا علو إلا للقيم والخصال الكريمة.
عموماً .. أيها الجالس على كرسيك مختالاً بنفسك وبـ «كرشك» .. أيها الحاصل علي دبلومة تدعي أنك «دكتور» والمحال إلى المعاش على درجة قفزت بعدها درجتين .. أيها الطبيب القادم من مجاهل القرى صعدت السلم الوظيفي دون إبداع فلست «زويل» ولا «مجدي يعقوب» .. أيها الموظف العمومي الذي صدَّق طبل المطبلين ورقص الراقصين: انتم شغالين عندنا .. انتم لا «سيادة» ولا «معالي» ولا «حضرة» .. أنتم أمناء على ما أَوليْناكم إياه، فاتقوا الله، واعلموا أنها «أيام» وتمضي الحياة.