نبيل فكري .. يكتب: الأفكار «المشفرّة» .. و«البيرة المشبرة» !!
هنا، كتب الصديق عمرو الشيخ: أما الإبل .. فإنها لي.
أثنيت علي ما كتب، وتناقشنا .. اتفقنا واختلفنا وأيضاً ضحكنا
كان النقاش حول «تكوين»، ذلك المركز الذي تأسس أو أُطلق دون أن نعرف جيداً ماهية رسالته، إلا من كتابات و«هاشتاجات»، ربما نظرت إلى مُدشنيه أكثر منه فهو «ليس بعد»، وإلى «زجاجة البيرة» في لقطة التدشين.
أيضاً عرفناه من مناصرة وحبور العلمانيين، وضيق وضجر الطيبين، وليس بالضرورة أن يكونوا مؤمنين، وبين رافض للفكرة ومهاجم لها ومن يرى أنها «عصفورة» قد تشغلنا عما هو أهم، يبدو الأمر حرياً بالتوقف والكتابة .. ليس لنعرف فقط، ولكن حتى لا نظل هكذا على الدوام «قراطيس» يملؤونها بما شاؤوا.
هذا أول خلاف بيني وبين الصديق عمرو الشيخ، الصمت الذي لم يعد مجدياً .. الصمت بدعوى ألا نعطي للهشّ قيمة، فمن كثرة الصمت يا صديقي «تداعت» علينا الأفكار، وتداعى الرجال وتداعى الناهشون فينا ليل نهار.
كل من تحدثوا، قالوا إن الأفكار تُجابه بالأفكار .. لكن أليس حتى الكفر «فكرة» .. فكرة رعاها الشيطان .. بهذا المنطق .. أليست الردة فكرة؟ .. إذن لماذا يُقتل المرتد؟ .. والمساكنة وغيرها مما نُبتلى به ليل نهار، أليست «أفكار» .. ماذا لو اتفقنا عليها؟.
كل من تحدثوا أيضاً استدعوا من التاريخ حادثة عبدالمطلب و«إبله» التي أخذها جنود أبرهة، وهو في طريقه لهدم البيت الحرام، فلما ذهب عبدالمطلب يطلب إبله، قال لأبرهة قولته الشهيرة: «أما الإبل فإنها لي، وأما البيت، فله رب يحميه».
حدث ذلك، وكان الشرك والضلال في الأرض من أقصاها إلى أقصاها .. حدث ذلك، ولم يكن النبي قد جاء بعد .. تُرى لو حدث في عهد أبو بكر أو عمر أو عثمان، هل كانوا سيقولون قولة عبدالمطلب، أم سيشعلون الأرض ناراً تحت أقدام كل من تسول له نفسه فعل ذلك.
استدعاء مقولة عبدالمطلب جد النبي، لا تصدر إلا عن حسن نية جداً، أو سوء نية جداً، ويقيني أن الأستاذ عمرو الشيخ من أصحاب النية الحسنة، ومجابهة الفكر بالفكر، هو استدعاء يليق بنا، ويليق بما وصلنا إليه من ترهل، حتى بتنا نواجه الحرب أيضاً بالفكر والبيانات والشجب بأشد العبارات.
يزيد بن معاوية حرق أستار الكعبة وهدم سقفها، ورب البيت- القوي العزيز الجبار القادر على كل شيء – لم يحميه، لأننا لم نحميه ولأننا نحن من بغى.
والحجاج بن يوسف الثقفي رمى الكعبة بالحجارة والمنجنيق وهدم جزءاً منها، ورب البيت «القوي العزيز الجبار» لم يحميه، لأننا من فعل ذلك .. كان منّا أبرهة وكان منّا الفيل.
القرامطة قتلوا أكثر من 30 ألفاً من الحجيج وعاثوا في البيت الحرام فساداً، وعادوا ومعهم الحجر الأسود ليظل معهم 22عاماً، ورب البيت «القوي العزيز الجبار» لم يحميه، لأننا لم نحميه.
للبيت رب يحميه، حين يغيب عنه حماته أو حتى حين يحضرون لكنهم يستحقون .. للبيت رب يحميه، لكن ليس معنى ذلك أن نكون عالة على الدنيا وعلى أنفسنا، وأن تُستباح حرماتنا بأيدينا أحياناً ثم ننتظر عون السماء.
البون شاسع بين «تكوين» وإبل عبدالمطلب .. إبل عبدالمطلب أشرف وأطهر من تكوين .. وربما أبرهة كان عدواً أرفع من تكوين .. كان واضحاً شفافاً سلسا، لم يدَّع خلاف ما يبطن، ولم ينزل على مكة ليلاً في زي أعرابي يدعي أنه من أهلها أو أنه قريب لواحد من أهلها، كما في «تكوين» الذي يدعي مَن فيه أنهم منا.
تُرى: هل فعلاً يجابه الفكر بالفكر؟
ماذا لو استعنت بحديث شريف؟ .. هل يكفي ؟
لو ذكرت مثلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه أبو داوود: «إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها»
لكن كيف تستعين بحديث ومعظم «التكوينيين» لهم أصلاً نظريتهم التي تحاول الهدم من علم الحديث ومن السنة.
إذن .. كيف أتحدث إلى فاطمة ناعوت وإلى إسلام بحيري وإبراهيم عيسى ومن معهم ؟ .. وبالمناسبة استمعت كثيراً إلى ابراهيم عيسى، الذي لا يمتلك من العلم والفكر، ما يمتلك من الجرأة .. نعم .. الجرأة هي التي صنعت نجم إبراهيم عيسى .. جُرأة تحولت مع الأيام إلى «اجتراء».
ماذا عن حديث «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» ؟.. خلينا في القلب واللسان، لكن السؤال منهم هنا: وهل «تكوين» «منكر» ؟ .. ظني أنه منكر .. إن لم يكن بفعل الرؤى وإرهاصات الطرح والقضايا المفخخة المشفرة، فبالـ «البيرة المشبرة».