مقالات

نبيل فكري .. يكتب: في انتظار الطوفان !

وماذا بعد ؟ .. وماذا قبل ؟ .. وماذا في أي وقت ؟

اليوم، منذ ساعة أو أكثر قليلاً، أحزنني ذلك النبأ الذي قرأت، لكنه حزن مؤجل، كنت أعلم أنه آت لا محالة، كما أعلم الآن أنه سيتجدد في مناسبات أخرى .. حزن من هذا النوع الموسمي، الذي استشرى حتى أصبحت أخاف أن يأتينا كل يوم .. وسيأتينا.

أما النبأ، فهو إعلان نتيجة الفرقة الأولى بكلية الطب البشري بجامعة جنوب الوادي، وكذلك نتيجة الفرقة الأولى بكلية طب الأسنان والتي أسفرت عن رسوب 70 في المائة من طلاب الطب البشري، و80 في المائة من طلاب طب الأسنان، ومؤكد أن الناجحين، بينهم «اللي نجح بالعافية» وفيهم من انتقل ومعه مواد .. يعني باختصار نتكلم عن طلاب معظمهم لا ناقة لهم ولا جمل فيما يدرسون، ولا أمل لهم فيما سيعملون.

رئيس جامعة جنوب الوادي، الأستاذ الدكتور يوسف الغرباوي، قال في تصريحات له نشرتها «المصري اليوم»، تعليقاً على النبأ الصادم الكاشف الحزين، إن طلاب الفرقة الأولى بالطب البشري كانوا 512 طالباً نجح منهم 146 فقط، وطلاب الأسنان عددهم 249، نجح منهم 52 فقط.

أما الطامة التي كشف عنها رئيس الجامعة، فكانت في السبب الذي قاله والذي نعرفه جميعاً، وهي لجان الغش الجماعي بالثانوية، مؤكداً أن الامتحانات أظهرت أن معظم الطلاب لا يعرفون شيئاً عن اللغة الأجنبية، التي من المفترض أنها أساسية في هذا النوع من الدراسة، بل إنهم – حسبما قال – يكتبون بلغة غير مفهومة.

هذه الحادثة، سبقها رسوب أكثر من 60 في المائة من طلاب كلية الطب بجامعة أسيوط، وهناك أعداد قياسية أخرى في الجامعات الخاصة، ما يعني أننا في انتظار الطوفان إن لم نتدخل لوقف هذا العبث والزيف والهدم في جدار الوطن.

حتى قريب، ورغم الشكوى المريرة، كنا نغض الطرف عن استثناءآت تحدث هنا أو هناك .. «نفوت» تسريب امتحان في دبلوم أو حتى في قسم ما بكلية الآداب في جامعة ما، أو حتى لا نكترث بما يحدث في التعليم «المفتوح على البحري»، لكن الأمر الآن جد خطير .. هؤلاء أطباء الغد .. هؤلاء الذين ستنام حضرتك أو أنا أمامهم على طاولة العمليات لإجراء عملية جراحية أو تذهب إلى أحدهم ليشخص مرضك ويعطيك الدواء .. كيف تفعل ذلك وهم أنفسهم المرض والداء والبلاء .. كيف تذهب إلى أحدهم لتخلع ضرسك أو تداوي الألم، والطبيب هو الذي يجب خلعه وهو الألم والهم والنكبة التي أصابتنا.

في كل موسم للثانوية العامة، نفاجأ بتلك الأعداد القياسية للناجحين من أسرة واحدة في مركز هنا ومدينة هناك، ونسمع عن تلك اللجان الخاصة لأناس «مخصوصة» وما بين استياء واحتقان شعبي ورفض رسمي وبيانات لا تجيب عن أية أسئلة، تأتي نتائج الجامعات لتفضح ما كان، وتحذرنا مما هو قادم إن سكتنا عما يحدث.

لا أدري تحديداً لمن أوجه رسالتي، وظني أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، وحده هو الذي يستطيع أن يتدخل لوقف هذا «الطوفان» فالقرارات التي تجتث الفساد من جذوره لا تأتي إلا منه، ووزير التعليم الحالي والسابق والذي سبقه، ظني أنهم لا يستطيعون، لأن المسألة كبيرة ومتشعبة .. إنها حرب علينا أن نخوضها في وجه أولئك الذين يريدون سرقة المستقبل.

يا سيادة الرئيس: اضرب بيد من حديد وأعد إلينا «المستقبل» المستباح .. أعد إلينا الصباح.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى