عاممقال رئيس التحرير

نبيل فكري .. يكتب: لماذا لا تردوا على متشددي «التراث» .. بالعمل والإنجاز ؟

ترفضون ماضيهم وترافقوهم فيه .. ويتكسب منه أهل «تكوين» كما يتكسب «تجار الدين» 

ما ينشده «التكوينيون» هدم للثوابت .. والسُنَّة النبوية نقلت إلينا علوم الدين

وجود المصحف والمسبحة على مكاتب الفسدة والمرتشين ليس مسؤولية الدين .. والفساد موجود في أي مكان

 

منذ أن كتبت عن «تكوين»، وهذا حقي وعملي، والصديق عمرو حبيب، يرد بأدب جم على ما أكتب، واقفاً في خندق «تكوين» أو فلنقل خندق «الحداثة» أو «التجديد» كما يحبون أن نطلق عليهم.

وقد آثرت أن أنقل رسالته الأخيرة بحذافيرها، فليس فيها ما أخشاه، رغم خشيتي على كاتبها، وهذا نص رسالته:

صديقي الأزهري:

الأرق والرعب وحالة الهلع تلك هي تلك التي أصابت مدعي المحافظه  وتجار الشرائع والمذاهب على الدين ..  ذلك الدين القيّم، الذي أتاه الباطل منهم وليس منه.

التخصص في الهندسة والطب وغيره جرى عليه التحديث، والتحديث وليس به ثوابت وقوانينه متغيرة بالاستكشاف والتجريب.

صديقي الأزهري:

الكلام منطق والمنطق عقل ولا مناص من خطاب يوازي الواقع ويعين على التطور والارتقاء و إلا سيتحول الدين إلى مجموعة من الطقوس الشكلية، ويعلق الناس كل الأهمية على هذه الطقوس وسيفضلونها على القيم الأخلاقية التي جاء بها الدين، وسيجعلون هذه الطقوس مقياساً للفضيلة، وهذا يعني انتهاء أمر الدين وزواله كما ذكر إيمانويل ڪانط (انظر لغة العصر ومفردات الجيل) وستعلم أن ما قُدم لن يجد صدى أو أذن له تسمع بعد عولمة الأفكار.

وطريقه عصر الغزوات والاستعمار  وحروب السيف والسلاح انتهت ليحل محلها فتوحات الجيل الرابع والخامس والسادس والسابع ..   الأجدى أن نقر  بالمعرفة التي قسمها العلم إلى ثلاثة حقب .. حقبة المعرفة القديمة وحقبة المعرفة الوسطى وحقبة المعرفة الحديثة … لا بأس أن نتعرف على تلك المعارف ولكن لن تكون أبدا المعرفة القديمة و الوسطى هي مصدر معارفنا الآن لأنها معارف تناسب طفولة العقل البشري وبدائيته .. هي دي معضلتنا ..  وقوف العقل المسلم المعاصر عند مرحلة تدوين الفقهاء ولا معرفة بعدها.

الشعوب المتدينة لا تشعر بتأنيب الضمير عندما ترتكب خطاً أخلاقياً أو قانونياً، لأنها نشأت على مفهوم أن العبادات تمحو الذنوب، وهو ما يشكل أرضية خصبة لسوء الخلق العام مقابل التمسك بأداء الصلوات والطقوس الدينية الشكلية وبالتالي كارثة أخلاقية مترافقة مع التدين الشكلي .. الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والست البيض ويوم عرفه و ما اكثر المصاحف والسبح على مكاتب الفسده وفي أيادي المرتشين

إلى هنا انتهت رسالة الأستاذ عمرو حبيب، والتي أود الرد عليها في عدة نقاط مختصرة:

أولا: أباهي وأفاخر بأنني «أزهري» من «الكتَّاب» حتى تخرجت من جامعة الأزهر، تعلمت في الأزهر التسامح والمحبة وقبول الآخر، وصادقت في رحلة الحياة مسيحيين، وغنيت و«حبيت» وكتبت شعر وقصة وسمعت أغاني، بإمكاني أن أزعم أن أروع ما علمني الأزهر “المحبة” لكل شيء والاحتفاء بكل شيء.  

ثانياً: الدين لن يأتيه الباطل أبداً، مهما فعل الناس ومهما اجترؤوا عليه .. دين الله حصين .. «والله متم نوره» مهما كانت الدنيا والناس، لكن ذلك ليس ذريعة لنا للاجتراء على دين الله .. الدين أيضاً يحاسب من يخرجون عليه وفقه الحدود الذي لا يرضي الكثير من مدعيي التنوير لا مجال لإنكاره، وهم يريدون هدم السنة لإنكاره.

ثالثاً: حين طال التحديث علوم الطب والهندسة والاقتصاد، حدثت جامعة الأهر مناهجها، وهي دوماً عن واقع عايشته تفتح بابها لكل صاحب فكر مستنير، لكن ما شأن التحديث بالصلاة والزكاة، وغيرها من ثوابت الدين .. ما ينشده «التكوينيون» ليس تحديثاً لكنه هدم .. السُّنَّة هي التي نقلت إلينا علوم ومعارف وطقوس الدين .. منها عرفنا أن الصلاة خمس فرائض وعرفنا مقادير الزكاة .

رابعاً: تعلمنا في الأزهر من شيوخ الأزهر أن الأخلاق والمعاملات هي الأهم، وعلمتنا السنة أن «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، و«إماطة الأذى عن الطريق صدقة»، وأن «الحياء شعبة من الإيمان»، وأن امرأة دخلت النار في هِرّة حبستها، ورجلا دخل الجنة لأنه سقى كلباً، وغيرها من الأخلاق التي تمثل السبيل لرقي أي مجتمع.

خامساً: لم تكن الغزوات هي التي وطدت أركان هذا الدين لكنها تعاليمه ومُثله وأخلاقه في المقام الأول، ووقوف العقل المسلم عند مرحلة الفقهاء، هذا ما يتكسب منه «التكوينيون» أنفسهم على مر العصور، تماماً كما يتكسب بعض المتنطعين من الدين.

سادساً: التدين والشعور بتأنيب الضمير وفكرة أن العبادات تمحو الذنوب ليست حقيقية على هذا الإطلاق .. رشوتك لا تمحوها توبة، وسرقتك لا تمحوها توبة، وإيذاؤك لأخيك لا تمحوه توبة .. حقوق العباد معلقة حتى يقتص العباد أو يسامحوا .. التوبة فيما لا تؤذي فيه غيرك .. هذا أيضاً تعلمناه في الأزهر، وهذا ما أكدت عليه السنّة في مواضع كثيرة.

سابعاً: لماذا لا تتكلمون في قضايانا الحقيقية .. لماذا يؤرقكم الدين لهذا الحد ؟.. لماذا لا تتحدثون عن المرور والرصيف المُغتصب وجشع التجار وضعف الرقابة ؟.. ولماذا تتهمون الإسلاميين بأنهم السبب في كل ما ابتليتم به ؟ لماذا تتهمون الإسلاميين بالانغلاق على أنفسهم والعيش في الماضي مع التراث، وترافقونهم في هذه المنطقة .. حاربوهم بالمستقبل والإنجاز والعمل والاختراعات.

ثامناً وأخيراً: وجود المصاحف و«السبح» على مكاتب الفسدة والمرتشين، ليس مسؤولية المصحف ولا المسبحة، والفساد والرشوة موجودة هنا وعند غيرنا، لكني على يقين أن التدين الحقيقي عصمة لصاحبه من كل ذلك .. التدين الذي يوقن أن «الدين المعاملة» وأن «الأعمال بالنيات» و«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، وأن أفضل الإيمان «أن تحب للناس ما تحب لنفسك».

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى