نبيل فكري .. يكتب: هل فكرت أن تعرف «انت تساوي كام» ؟
– شركات البيانات تبيع معلوماتك لآخرين .. وكل معلومة لها ثمن
– المعلومة الصحية بـ 20 جنيها .. وخمسة لـ «الخاطب» أو في انتظار مولود
– طالما أن الخدمة مجانية .. تأكد من شيء واحد: أنت السلعة
على سبيل المثال : لو أن جهاز التعبئة والإحصاء للدولة، قال في نشرته إن 70 في المائة من السكان «شباب» .. هذا يعني أن الدولة وهي تضع خططها للمستقبل، ستراعي مثلاً إنشاء وحدات سكنية لاستيعاب هذا العدد الهائل الذي سيقبل قطعاً على الزواج، وستسعى لتوفير وظائف وجامعات .. يعني ستكون مثل هذه المشروعات غالبة في خطة الدولة.
على العكس مثلاً لو كانوا شيوخاً .. ستقوم خطة الدولة على تعظيم خدمات التأمين الصحي والنظر في المعاشات .. وهكذا .
هذه هي فائدة المعلومات، لكن هل فكرت أن الأمر أعمق من ذلك، وأشمل من ذلك .. هل تدرك أن معلوماتك الشخصية تُباع صباح مساء، وأن لك سعراً في سوق المعلومات ؟ .. هل تعرف تحديداً كم تساوي أنت في سوق البيانات ؟.
كثيراً، ما كنا نسمع السؤال: ماذا يستفيد الفيس بوك ووسائل التواصل الإجتماعي، وهي مجانية ؟ .. ودائماً الإجابة البسيطة: حين لا تدفع .. تأكد من شيء واحد .. أنت السلعة.
المهم .. مسألة أن لك سعراً في السوق، مسألة حقيقية وليست مجازية وقديمة وليست حديثة .. لك سعر معلوم ومعروف، وحين «تدوس» على زر «موافق» في قائمة الأحكام والشروط .. في الموبايل أو عند إنشاء حسابك الشخصي على أي من مواقع التواصل، أنت تمنح الشركات حق «بيعك».
السؤال: لمن يبيعونك ؟ .. الإجابة: لمن يريدك ولمن يدفع .. لشركات الاتصالات .. العقارات .. الجامعات .. المستشفيات .. المطاعم .. لعمالقة التسويق الإلكتروني مثل أمازون وجوجل وفيسبوك وسوق وغيرها .. المهم «إنك هتتباع هتباع».
ألا تريد أن تعرف كم يبلغ ثمنك بالضبط ؟ .. مؤكد أن الأسعار «ولعت» هذه الأيام .. في آخر لائحة تم نشرها من قبل «ستاتيست» عام 2017، وبعدها لم يتحدث أحد تقريباً في هذه الموضوع، سوى أستاذنا، وصديقي الجميل الواعي، الدكتور محمد يونس، بلغ سعر المعلومة عن حالتك الصحية 26 سنتاً، يعني تقريباً ربع دولار، يعني تقريباً حوالي 10 جنيهات .. فقط ليعرفوا حالتك الصحية .. ستسأل: ولماذا يهتمون بحالتي الصحية ؟ .. ببساطة لتطاردك إعلانات العلاج والمستشفيات والسفر للعلاج بالخارج، ووصفات العطارين و«أحجبة» المشعوزين .. من يدفع سيحصل على تفاصيل حالتك الصحية، ويطارك في الصباح وفي العشية.
أما لو كنت لا زلت شاباً يانعاً، خاطباً أو على وشك الزواج، فسعر نقطة البيانات يبلغ 12 سنتاً فقط، أي حوالي خمسة جنيهات، و3 سنتات فقط إذا كنت قد تزوجت حديثاً أو «مطلق» ما يعني أن الفائدة التي سيجنوها من خلفك ضئيلة، وإذا كنت في انتظار مولود، فسعر وحدة البيانات 12 سنتاً أميركياً، أما معلومة العمر والجنس فتساوي «سنت واحد».
حتى تعرف أهمية مثل هذه المعلومات، يجب أن تعرف أن هناك من يدفع الكثير لأجلها، وهناك من يطلب أن تكون له بشكل حصري، فيدفع أكثر وأكثر .. مثلاً شركة «جولدن ست أناليتكس» وهي رائدة في تحليل بيانات رياضة التنس بواسطة علماء رياضيات واقتصاديين من جامعة هارفارد وستانفورد، أنشأت نماذج إحصائية وحسابية وخوارزميات للاعبي التنس وتحركاتهم وأنماطهم، ونقاط الضعف فيهم، كانت توفرها مقابل اشتراك سنوي يبدأ من 100 ألف دولار، ويقال إن روجر فيدرر في «أيام مجده» دفع ضعف السعر ليحصل حصرياً على معلومات منافسيه، وربما كان ذلك من أسباب تربعه على عرش التنس لسنوات طوال.
أيها العابث اللاهي السائر دون «هَدْيّْ» المخطط لشراء بخمسة جنيه فول وبعشرة طعمية .. تتصفح الفيس وتعمل «لايك» و«شير» و«تطلب أوردر» عبارة عن «شبشب حمام» وتستاء من اتصالات مندوبي العقارات يعرضون عليك فيلا في «الساحل» بـ 120 مليون، لأنك سبق وسألت في إعلان قرية الساحل «الشرير» عن السعر والتفاصيل .. أيها «النقطة» في بحر الحياة والكون .. أمازون وآبل وألفابيت ومايكروسوفت وفيسبوك، هذه الشركات الخمس تجاوزت إيراداتها في 2021 حاجز التريليون دولار، يعني أكثر من ألف مليار دولار، جمعوها منك ومني .. منا .. وكان وقود معركة الاستيلاء عليك هي ما يعرفونه عنك .. ألا تلاحظ أن معظمها شركات معلومات وتواصل .. بيع نفسك .. بيع قلبك .. شوف الشاري مين ؟ .. لم يعد الشاري هو الحبيب .. لم يعد الشراء بكلمة حلوة .. باختصار، أصبحت سلعة في سوق الكبار.