لا يمكن أن تكون رئيسا إذا لم تفز بولاية ميشيغان
هل يصل الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض .. بأصوات عرب أمريكا ؟
مع اقتراب السباق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية من ذروته، يعلو في الأفق اسم ولاية ميشيغان كإحدى أهم الولايات التي تحدد بشكل كبير اسم الساكن الجديد للبيت الأبيض، وذلك عندما يصوت الأمريكيون في 5 نوفمبر المقبل لانتخاب رئيس للبلاد خلفا لجو بايدن (الديمقراطي) والذي أعلن انسحابه من السباق مؤيدا ترشيح نائبته كامالا هاريس لتواجه الرئيس السابق دونالد ترامب (الجمهوري).
ولاية ميشيغان، التي يعني اسمها في لغة السكان الأصليين “البحيرة الكبيرة”، هي عاشر أكبر ولاية أمريكية من حيث عدد السكان، والحادية عشرة من حيث المساحة، عاصمتها مدينة لانسينغ، وأكبر مدنها ديترويت، عاصمة صناعة السيارات في الولايات المتحدة، ولفترة طويلة أكبر مركز لهذه الصناعة على مستوى العالم.
وفي أدبيات السياسة الأمريكية يقولون “لا يمكن أن تكون رئيسا للولايات المتحدة إذا لم تفز بولاية ميشيغان”، وما يجعلها تحتل تلك الأهمية خلال الانتخابات الرئاسية تالية بعد بنسلفانيا، أن أي مرشح ديمقراطي يحتاج للفوز بما يسمى ولايات الجدار الأزرق وهي بنسلفانيا وميشيغان ووسكنسن، التي تضمن له الفوز (مع الولايات الديمقراطية الزرقاء الأخرى) بالحد الأدنى المطلوب للفوز من أصوات المجمع الانتخابي وهو 270 صوتا من إجمالي 538.
أما المرشح الجمهوري فيحتاج للفوز بواحدة في الأقل من ولايات الجدار الأزرق كي يكسر حاجز 270 صوتا ويفوز بالانتخابات، بعد تأمين فوزه بالولايات الجمهورية الحمراء وكذلك الولايات المتأرجحة في حزام الشمس (جورجيا وأريزونا ونيفادا) التي فاز بها بايدن في انتخابات 2020.
ولأن بنسلفانيا تمتلك 19 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي، فهي تستحوذ على الأهمية الأولى، بينما تحتل ميشيغان المرتبة الثانية من حيث الأهمية كونها تمتلك 15 صوتا، في حين تأتي وسكنسن في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية كونها تمتلك 10 أصوات في المجمع الانتخابي، ولذلك هناك قدر هائل من الإثارة في ولايات ساحة المعركة الرئيسية الثلاث، ومن المرجح أن يحدد الأشخاص الذين يخرجون للتصويت فيها الرئيس القادم للولايات المتحدة.
ورغم أن الأمريكيين “العرب والمسلمين” لا يشكلون أكثر من ثلث المليون شخص في ولاية يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين، وفقا لمكتب الإحصاء الأمريكي، فإن ميشيغان كانت متقاربة في نتائج التصويت، إذ فاز بها ترامب بنحو 11 ألف صوت عام 2016 وحصل عليها بايدن بـ154 ألف صوت في عام 2020، ولهذا فإن التحولات الصغيرة يمكن أن تعني كثيرا في النتيجة النهائية.
وعرب ميشيغان يشكلون واحدة من أكبر الجاليات العربية في الولايات المتحدة، وتتركز الجالية بشكل رئيسي في مدينتي ديربورن وديترويت.
تاريخهم يعود إلى أوائل القرن العشرين، حيث هاجر العديد منهم بحثا عن فرص عمل. واليوم، يمكن العثور على العديد من المطاعم، والمتاجر، والمراكز الثقافية التي تعكس التراث العربي، بالإضافة إلى الاحتفالات والمناسبات الثقافية التي تعزز من الهوية العربية في الولايات المتحدة.
وتاريخيا تميل أصوات عرب ميشيغان ومسلميها إلى المعسكر الديمقراطي، وبالأرقام فإن جميع المرشحين الديمقراطيين فازوا بميشيغان منذ انتخابات عام 1992 باستثناء هيلاري كلينتون التي اقتنص دونالد ترامب منها الولاية عام 2016، قبل أن يستردها جو بايدن عام 2020 بفارق 154 ألف صوت.
ودليلا على ثقل تلك الولاية فإن من صوتت له ميشيغان فاز بالبيت الأبيض في تسع مرات خلال آخر 12 انتخابا رئاسيا، إلا أن سباق 2024 قد يشكل مفاجأة.
وقد شهد السباق الرئاسي هذا العام العديد من التقلبات من انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق ودعمه لنائبته هاريس كمرشحة للحزب الديمقراطي، إلى نجاة ترامب من محاولتي اغتيال، بينما يتطلع إلى العودة إلى البيت الأبيض.
وفي الوقت الذي تترقب فيه الولايات المتحدة نهاية السباق الرئاسي، يبدو ترامب (78 عاما)، وهاريس (59 عاما) متقاربين في استطلاعات الرأي مما يصعب من التنبؤ باسم الفائز في السباق الرئاسي.
وأظهر استطلاع للرأي في ميشيغان تفوق كامالا هاريس بنسبة 46.8 بالمئة على دونالد ترامب 44.2 بالمئة علما بأن ميشيغان كانت المحطة الأولى لترامب بعد محاولة اغتياله لكن يبدو أن هذا لم يشفع له حتى الآن.
وإذا كانت أصوات المدافع وغارات الطائرات تدوي في جنوب لبنان وقطاع غزة، فإن رجع الصدى لتلك الضربات يسمع بشدة في الولايات المتحدة وتحديدا في أهم الولايات المتأرجحة “ميشيغان”.
وفي هذا الصدد تجد كامالا هاريس نفسها في موقف حرج، ما بين إرضاء أصوات عرب ومسلمي ميشيغان الهامة في السباق الانتخابي وما بين المحافظة على سياسة الرئيس جو بايدن الداعم للحرب ضد قطاع غزة الأمر الذي يصاعد من خطر تهميش أو ابتعاد أصوات الناخبين الأمريكيين المسلمين والمنحدرين من أصول عربية.
وتحاول هاريس تحقيق موازنة صعبة، والسير على خطى بايدن عبر التعهد بدعم الكيان الإسرائيلي، قائلة إنها “ستضمن دائما بأن إسرائيل تملك القدرة على الدفاع عن نفسها” لكنها كانت أكثر إصرارا من الرئيس في دعواتها لوقف إطلاق النار. وقالت في معرض حديثها عن الوضع الإنساني في غزة إنها لن تصمت.
أما المرشح الجمهوري دونالد ترامب فلا يخفي في تصريحاته لهجته المتشددة ضد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومؤخرا في لبنان بل وصرح في أكثر من مناسبة بضرورة استمرار الدعم لحكومة الكيان الإسرائيلي.
وكشف استطلاع رأي جديد عن “انقسام” في صفوف الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة بشأن المرشحين لانتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر المقبل، وأشار الاستطلاع الذي أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) خلال الفترة بين 25 و27 أغسطس الماضي، إلى أن عددا كبيرا من الناخبين غير الراضين عن موقف المرشحين الرئيسيين من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) المؤيد للحرب على غزة، يتطلعون إلى خيارات من أحزاب أخرى.
ووفقا لنتائج أول استطلاع رئاسي على الصعيد الوطني لتفضيلات الناخبين المسلمين الأمريكيين، منذ حلت نائبة الرئيس كامالا هاريس محل الرئيس جو بايدن، فإن 29.4 بالمئة يعتزمون التصويت لصالح هاريس، ما يضعها في تعادل قريب مع مرشحة حزب “الخضر” جيل ستاين، وهي “منتقدة شرسة” للحرب ضد غزة، وحصلت على دعم 29.1 بالمئة من عينة الاستطلاع.
فيما يخطط 11.2 بالمئة فقط من المسلمين الأمريكيين للتصويت لمرشح الحزب الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب.
وإن كان عرب ميشيغان لم يحسموا بعد أمرهم مع خليفة جو بايدن الديمقراطية كامالا هاريس، فإنهم قد حددوا بشكل كبير ثلاث نقاط رئيسة كرهان على دونالد ترامب إذا أراد أصواتهم في الولاية الأكثر تميزا في السباق الانتخابي، وهي التصريح بشكل أكثر وضوحا بأنه يريد وقف إطلاق النار الفوري في غزة، وأنه يدعم حل الدولتين، وأنه لا يوجد حظر للمسلمين من دخول الولايات المتحدة في إشارة إلى حظر الرئيس السابق للهجرة من عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة إبان فترة رئاسته.
ويخشى كلا المعسكرين الديمقراطي والجمهوري أن تذهب جهودهم نحو استمالة عرب ومسلمي الولايات المتحدة وأبناء ميشيغان على وجه الخصوص هباء وأن يتحول التصويت في الخامس من نوفمبر المقبل إلى تصويت عقابي اعتراضا على موقف الحزبين والمرشحين الاثنين من الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وبصفة خاصة الحرب على غزة ومؤخرا العدوان على لبنان.
ويرى مراقبون أن إدارة الرئيس بايدن رغم مضيها في مساع لوقف إطلاق النار لكنها تفتقد الإرادة اللازمة لوقف سيل الدماء في القطاع المنكوب على مدار عام كامل بل وعرقلتها أكثر من مرة لاستصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي بوقف العدوان. والأمر ذاته ينطبق على موقف الجمهوريين ويمثلهم الرئيس السابق دونالد ترامب.
وتشمل أكثر القضايا إلحاحا بالنسبة للناخبين المسلمين، بحسب الاستطلاع، حقوق الإنسان الدولية، والحرية الدينية، وحق الرعاية الصحية، وجرائم الكراهية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يعتبر العدوان الإسرائيلي على غزة من أهم الأولويات.
إلى جانب ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز إيمرسون كوليدج وموقع “ذا هيل” أن الاقتصاد كذلك يمثل أولوية لنحو ثلث (31 في المئة) من ناخبي ميشيغان، ويتبع ذلك قضية الهجرة (13 في المئة)، وتهديد الديمقراطية (12 في المئة)، والرعاية الصحية (10 في المئة)، ويلي ذلك قضايا كلفة الإسكان والتعليم والجريمة.