د. محمد أبو علي .. يكتب: «أروح لمين» .. بين سيف الدولة وعبدالناصر !
لقد أحب المتنبي فعلا سيف الدولة حبا شديدا، وكتب في هذه المحبة أبياتا صادقة حقا لا تغفلها العين.
أوقع كارهو المتنبي بينه وبين سيف الدولة فانتهت العلاقة بينهما بفراق أبدي.
لكن المتنبي لم ينس أبدا الصديق الذي يلوح له وهو يقارن ذهنيا بينه وبين باقي ممدوحيه الذين لم يشغلوا قلب أو عقل المتنبي بأمجادهم الزائفة أو حتي الحقيقية.
لقد أصبح المتنبي كالمطلقة التي فارقت حبيبها، وذهبت لآخر غير راضية وليس أمامها إلا تذكر الأول حتي وهي في أحضان الآخر.
تنادي المفارقة لزوجها الآخر باسم الأول، الحب الأبدي، الحب الصادق، الحب المستمر، أما الثاني فهو «عروة عبلة» الذي تزوجته لدراهمه ودنانيره وإبله، تزوجته وقلبها معلق بعنترة وحب عنترة وفروسية عنترة وجمال سواد عنترة ورائحة المسك التي تفوح من جسد عنترة الأسود.
هذا هو المتنبي مع سيف الدولة، وهذا هو الإخلاص الحقيقي للصديق النبيل، ومثل هذا الشعور النبيل دفع الثعالبي في يتيمة الدهر لعقد باب في المدح بما يكون للمحبوب من صفات، ويقصد طبعا بالمحبوب ما قاله المتنبي في سيف الدولة من صفات يختص بها المحبوب / الحبيب الأنثي .
وأنا هنا لا أتفق مع الثعالبي في التوصيف، فالمتنبي صادق جدا في حبه لممثل الفروسية والأمجاد العربية يذكرنا بهذا الاتحاد / التواحد / التوحد بين صديقين، أخلص كل منهما في محبته للآخر .
لهذا فارق المتنبي سيف الدولة جسدا، تاركا قلبه وعقله مع سيف الدولة .
لذا بدأ شعره المدحي في كافور بما يكره ولا يستحب الابتداء به وهو ذكر الموت ::
كفي بك داء أن تري الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
تأمل لفظي الموت والمنايا في البيت الأول في القصيدة ؟
هل يليق أن نبدأ قصيدة بمدح بهذين اللفظين ؟
المتنبي يمدح كافور غير راض كالمطلقة التي أُرغمت علي فراق زوجها والزواج بآخر لا تحبه.
المتنبي في مدحه لكافور يشبه فاطمة في فيلم الزوجة الثانية التي تزوجت بالعمدة / كافور الذي تبغضه بعد أن أرغموها علي فراق أبي العلا / سيف الدولة الذي تحبه.
المتنبي يكتب بلا قلب ، لأن قلبه سجين محبة الآخر سيف الدولة:
حببتك قلبي قبل حبك من نأي
وقد كان غدارا فكن أنت وافيا
لا أقرأ هذا البيت إلا وأستحضر صورة الفنانة «ماجدة» وهي تضرب بيديها الرقيقتين علي صدر حبيبها سيف الدولة الذي اكتشفت خيانته للتو، فبدأت تبكي وتضربه بحنو قائلة بصوتها الضعيف ::
يا خاين يا خاين يا خاين
بحبك بحبك بحبك
هذا هو حال المتنبي العظيم مع سيف الدولة الغدار.
وقد كان غدارا فكن أنت وافيا
ارجع لقصيدة «عيد بأية حال» وهو يقول متذكرا سيف الدولة:
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيد دونها بيد
توقف عند كلمة الأحبة
سيف الدولة الذي ما زال يندرج تحت كلمة الأحبة علي الرغم من أنه كان غدارا من وجهة نظر المتنبي.
راجع مرة أخري حروف المد التي حاول المتنبي بها أن يصور المساحات الشاسعة التي يتمني أن تكون بينه وبين كافور:
بيد دونها بيد
والمساحات التي بينه وبين سيف الدولة
البيداء دونهم.
كل كلمة في شعر المتنبي بعد فراقه لسيف الدولة تؤكد حبه لسيف الدولة وتعلقه به ووفاءه له.
ما علاقة عبدالمنعم السباعي و«أروح لمين» بسيف الدولة والمتنبي ؟
أزعم أن هناك تطابقا شديدا بين الموقفين فكلاهما المتنبي والسباعي صديق للسلطة وكلاهما مغضوب عليه، وكلاهما محب لصديقه الذي لا يقدره، وكلاهما كتب الشعر عن لوعة الابتعاد عن الصديق.
كان عبدالمنعم السباعي أحد الأصدقاء المقربين جدا لعبدالناصر، وقد تولي الكثير من المناصب في عهده، وفجأة غضب عبدالناصر من السباعي، فأبعده عن مناصبه، وامتنع عنه، ورفض مقابلته فقال السباعي وهو حزين جدا أمام السنباطي:
أروح لمين ؟.
قال له السنباطي:
أكمل .
السباعي يقصد عبدالناصر وغضبه الذي لا يجد من يدفع عنه ويدافع ليرجع أيام الود والرضا
مرة أخري .
كتب السباعي الأغنية كاملة، وحب عبدالناصر ومديحة يسري في تفسيرات البعض وراء هذه الكلمات .
أروح لمين ؟
أروح لمين وأقول يا مين
ينصفني منك
ما هو إنت فرحي وإنت جرحي وكله منك
كلمة ونظرة عين والقسمة وياهم
كلمة ونظرة عين والقسمة وياهم
جمعوا سوا قلبين والحب مناهم
وبين ليالي المنى أخذني الهوى، أخذني الهوى وياه
وكان وصالك هنا وكنت بتمناه، وكنت بتمناه
وبعد حبي، شغلت قلبي
وقسيت عليه
وكان منايا يدوم هنايا، ما دمش ليه، ليه؟
لوعني حبك واليوم في بعدك بيفوت سنين
وأروح لمين وأقول يا مين ينصفنى منك، ينصفني منك
كلمة ونظرة عين والقسمة وياهم وقسيت عليه
لوعني حبك واليوم في بعدك بيفوت سنين
وأروح لمين وأقول يا مين ينصفنى منك، ينصفني منك
يطول بعدك، يطول بعدك، يطول بعدك
وأعيش بعدك على شوقي
يطول بعدك، يطول بعدك
وأعيش بعدك على شوقي، على شوقي وأشجاني
يطول بعدك، يطول بعدك
وأعيش بعدك على شوقي
يطول بعدك، يطول بعدك
وأعيش بعدك على شوقي، على شوقي وأشجاني
ما بين ماضي ما هوش راضي
ينسيني، ينسيني وينساني وينساك
وبين حاضر ما هوش قادر يسليني في حرماني
وأبات أنعي، أنا ودمعي
وأبات أنعي، أنا ودمعي
وأخبي دمع العين وأداري من اللايمين
لا يلمحوا عينيّ ويشمتوا فيّ
ولحد إمتى، إمتى حتبقى إنت، إنت والشمتانين
وأروح لمين وأقول يا مين ينصفنى منك، ينصفني منك
أروح لمين، ومين حيرحم أسايا
وأقول يا مين ومين حيسمع ندايا
طول ما إنت غايب ما ليش حبايب في الدنيا ديّ
والفكر سارح والهجر جارح
يا نور عينيّ، يا نور عينيّ
شوف دمعي جاري سهران في ناري
ولا إنت داري بالسهرانين
وأروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك، ينصفني منك