صلاح رشاد .. يكتب: ولاة الأمين يستسلمون لطاهربن الحسين
سقطت الأهواز (مدينة تقع جنوب غرب ايران) في قبضة طاهر بن الحسين، وبدأ الطريق يتفتح أمامه الي بغداد مقر خلافة الأمين والدولة العباسية، ومع الأهواز سقطت أيضا اليمامة والبحرين وعمان وأجزاء من البصرة، فكان ولاة الأمين عندما يعلمون بقدوم طاهر وجيشه يهربون ويتركون ولاياتهم، وكان بعضهم يقول: لا عار علينا إذا هربنا من طاهر.
(كان طاهر بن الحسين قبل الحرب بين الأمين والمأمون مجهولا مغمورا، لكن بعد الانتصارات اللافتة التي حققها بجيشه الصغير أصبح نارا علي علم، واسمه يثير الرعب في قلوب قواد الأمين وجيوشه الجرارة).
ثم نزل طاهر مدينة واسط (مدينة عراقية بناها الحجاج بن يوسف) ووجه قائدا من قواده هو أحمد بْن المهلب نحو الكوفة، وعليها يومئذ العباس بْن موسى الهادي، فلما بلغ العباس خبر أحمد بْن المهلب خلع الأمين، وكتب بطاعته إلى طاهر وببيعته للمأمون، وسيطر طاهر على ما بين واسط والكوفة، وكتب المنصور بْن المهدي- وكان عاملا للأمين على البصرة- إلى طاهر بطاعته.
وكانت بيعة المنصور بْن المهدي بالبصرة وبيعة العباس بْن موسى الهادي بالكوفه، وبيعة المطلب بْن عبد الله بْن مالك بالموصل للمأمون، وخلعهم الأمين في رجب من سنة 196هجرية.
وأقرهم طاهر على أعمالهم، ثم توجه إلي المدائن، وكانت المدن تتساقط أمام طاهر بن الحسين مثل أوراق الشجر في الخريف، وإذا حدث قتال تكون الدائرة علي قواد الأمين وجيوشه، وقد دب الرعب في قلوب الخاصة والعامة من طاهر، ووجدوا أن الاستسلام أفضل من حرب لا طائل من ورائها إلا القتل أو الخسارة.
فلما قرب طاهر من المدائن نزل فصلى ركعتين كما جاء في تاريخ الطبري، وسبح فأكثر التسبيح، وقال: اللهم إنا نسألك نصرا كنصرك المسلمين يوم المدائن.
(طبعا الفارق شاسع بين نصر المسلمين في المدائن، والنصر الذي ينشده طاهر بن الحسين في مواجهاته الحربية مع جيوش الأمين، وهو فارق بين الثري والثريا او الأرض والسماء .. لأن نصر المسلمين الأوائل في المدائن كان من أجل الدين ولإعلاء راية التوحيد وإخراج الناس من الظلمات الي النور.
فبعد انتصار المسلمين في موقعة القادسية الخالدة عام 15 هجريا بقيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، واصل سعد زحفه لإسقاط كل المدن الفارسية، وكان منها المدائن وقسم جيشه الي كتائب، علي كل كتيبة قائد بارع محنك، وكان من أبرع القواد يوم المدائن البطلان العظيمان الشقيقان عاصم بن عمرو التميمي قائد كتيبة الأهوال التي أتت بالعجائب في موقعة القادسية، وشقيقه القعقاع الذي كان الصديق أبو بكر رضي الله عنه يقول في حقه: لا يهزم جيش فيه القعقاع، وإن صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل، وعندما طلب سيف الله خالد ذات مرة المدد من الصديق أرسل إليه القعقاع وحده، وكان القعقاع بالفعل بطلا بألف رجل وأنقذ خالد من بعض المواقف الصعبة بسرعة بديهته وحسن قراءته للأحداث وبسالته وشجاعته.
وأبلي المسلمون أعظم البلاء في ذلك اليوم المجيد وسقطت المدائن، ومعها سقطت كل كنوز كسري في أيدي المسلمين، ويذهب خمس الغنائم الي الخليفة العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي الكنوز سوار كسري، ومالا عين رأت من الجواهر الثمينة.
فيقول الفاروق عمر: إن قوما أدوا هذا لأمناء، فيرد عليه العظيم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمقولته الحكيمة الخالدة :يا أمير المؤمنين عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا .
ويمنح أمير المؤمنين عمر سواري كسري لسراقة بن مالك كما وعده رسول الله صلي الله عليه وسلم، عندما كان يطارده سراقة أثناء رحلته صلي الله عليه وسلم من مكة الي المدينة ساعة الهجرة النبوية المباركة.
ثم أطرق الفاروق عمر قليلا، وكسا الحزن وجهه وصوته وهو يقول: “اللهم إنك منعتَ هذا رسولك ونبيك، وكان أحب إليك منّي، وأكرمَ عليك مني، ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، وأعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي» .. ثم بكى حتى أشفق عليه المسلمون من حوله.
لله درك ياعمر أي خليفة عظيم كنت وأي حاكم عادل كنت؟ .. رضي الله عنك وعن أبي بكر وعثمان وعلي وباقي العشرة الكرام وسائر الصحابة أجمعين.
وسامحك الله يا طاهر بن الحسين، أتطلب نصرا مثل نصر المسلمين يوم المدائن، وأنت تقاتل علي الدنيا من أجل ملك وسلطان يتصارع عليهما أخوان خربا البلدان ودمرا الأوطان وأسالا دماء المسلمين.
وصدق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عندما قال لرجل يقاتل أثناء الصراع بين عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وولده عبد الملك، قال له: كنا نقاتل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وأنتم تقاتلون حتي تكون فتنة ويكون الدين لغير الله.
أوجعتنا بدعائك ياطاهر وذكرتنا بجيل الصحابة الأطهار أعظم جيل في تاريخ الإسلام، ثم ذكرتنا بالملك العضوض الذي سالت من أجله الدماء أنهارا.
ونكمل في الحلقة المقبلة إن شاء الله .