أدب و أدباء - تحرره نوال شلباية

البورصة التجارية .. قصيدة نثر للشاعر / أحمد توفيق

الشتا والبحر
الكورنيش وليل إسكندرية
الصوّر اللي بتتحرك دلوقت برّه البرواز
هوّ اللي راصدها ولاّ هيَّ اللي راصداه ؟
قاعد على نَفْس الترابيزه في قهوة “البورصة التجارية”
نَظَرَات عينيه التعبانين بتطلّع من كل برواز من براويز القهوة الإزاز وتْبُص ع الشارع
هو قاعد في برد الشتا متقمش بهدومُه ومن وقت للتاني ياخد بعضُه ويطلع مع عينيه يراقب الصور اللي بتطلع من جوّا البحر وتدخل البراويز..
ويرجع يدخل تاني
طالع وداخل..
داخل وطالع..
صور وصور وصور….
صوره بتودّي وصوره بتجيب
وصوره تانية بترجع تخْطَف عينيه وتاخدها للميّه وتغيب
العجيب إن المطر والضباب اللي مخبي في جيوبه سكة البحر والناس ولسان الكورنيش البعيد.. المفرود ع الناحية الشرقية من القهوة.. مقدرش يخبي عن عينيه مكتبة إسكندرية
المُنْتَزَهْ
كافيتريا الشاطبي
مقدرش يخبي عن عينيه الخيال
ولا يِطَلّع من جوّاه الحِلم اللي مش قادر ينساه لحد دلوقت
صف براويز.. أيوه قُدّامُه دلوقت صف براويز.. حَبِة براويز مترصصين على جانبين مرمى البصر.. براويز متْرَصَصه على حيطان القهوة
من اليمين للشمال
ومن الشمال لليمين
أَهِه الصوّر بتتحرك صورة صورة على وش الميّه اللي بدأت تظهر قُدامُه بعد ما رِجلين الناس خَفّت من على سِكِة الكورنيش
صوره بتْقِبْ لفوق
وصوره بتغطس لتحت
صوره بتتدلّع
وصوره بتطلّع على وِشْ البرواز الإزاز وتتعلق
قعد يرَتّبْ الصوّر ويحطها ف أماكنها داخل البرواز.. ونِسيِ يسأل البراويز اللي اتَكِل خشبها عن حالتها
البراويز اتمرّدت وقررت تتخلى عن دُورها اللي مرسوم لها.. وتِحْدّف الصوّر تاني من جوّاها
برواز حَدَف الصورة من جوّاه ونَط في الشارع
برواز طلق الصورة ع الموج وقعد يتابعها
برواز شال
وبرواز حط
المهم راح سحب عينيه اللي كانت شارده مع البرواز اللي واقف ع الميّه بيعاكس جنيات البحر، وكَتَمْ حَنينُه للذكرى وقعد يتابع براويز القهوة من الأوّل
البحر لمّا هاج ونطّر مَيّتُه ع الشط عدت الميّه الشط والكورنيش وخبطت في براويز القهوة
البراويز اللي كانت ساكته مبتتكلمش نطقت وبدأت تحس بالصور بعد ما كانت رافضه مصالحتها
برواز حط إيده على قلبه واتألم
برواز قرّب من الصورة اللي جوّاه واتكلم
برواز هَمَس وبرواز لَمَس
برواز سلم
دبت في كل البراويز الحياه
برواز أصبح معلم
وبرواز لسَّاه بيتعلم
برواز وبرواز وبرواز……….
برواز خشب وبرواز إزاز
الله.. مش كانت دلوقت من لَحْمْ ودَمْ
حط إيده على دماغُه وهزها وهو بيقول لنفسه: فوق يا عَمْ
دماغه بتلف وهي بتدوْر مع الصوّر المتعلّقه في براويز القهوة اللي قُدامُه صورة صورة..
صوره عيّل صغيّر كان دايما بيشوفه وهو طالع داخل يلعب على باب بيت جدها ويتنطط..
كان لما يشوفها يضحك لها ويشاور بإيديه
تقول له تعالي.. يجري عليها
تطلب منُه بوسَه .. يقول لها: كُك
تطلب منُه لِعْبَه من ألعابه.. يقول لها: كُك
تطلب منه بسكوتَه من اللي معاه.. يقول لها: كُك
وكانت كل ما تطلب منُه يِتِفْ على حَدْ..
يتكسف.. ويداري وشُه في حضنها
وهو برضك بيقول لها: كُك
“الكُك” دلوقت أَهُوْ طالع من صورة قديمة جوّه برواز من براويز القهوة.. عمّال يلعب وهوَّ بيلف ويدور حوالين البراويز
وهيَّ كُل ما تقرّب منُه علشان تاخُده في حضنها زي زمان
يبص في وِشّها ويجري وهو بيصرخ بكل امتعاض من غير ما يقول لها: كُك
يمكن يكون “الكُك” في اللحظة دي فاهم البحر أكتر منّك.. يمكن !
ولا يمكن تكون موعود بحلم جديد.. وإنتَ قاعد على كرسيك مشدود بتغيب وترجع تبص تاني على البحر وتشتكي همك
صوره بَنُوتَهْ زَيّ القمر نَطّت من جوّه برواز تاني من براويز القهوة الإزاز.. وقَرّبت مِنُه حَبَه حَبَه
قعدت معاه
قالت له كلمه وقال لها حَبِة كلام
طال الكلام في جِدال.. ولمّا تداخلت المواضيع غابت الحلول.. بعد اللي كان منهم من محبة ومن تفاهم ومن أمان
ولما تاهت المعاني جوّه الصوّر اللي بتتقلّب قُدامه في البراويز.. وبدأ الكرسي يتهز من تحتيه
حس إن الميزان مايل
رمى نَظْرَهْ ع البحر وقال في سِرُه
مين فينا اللي خاين؟
صوره طفل وصوره شاب
صوره عُكّاز.. وصوره عجوز بيتعكّز
صوره عدت .. وصوره معدتش
صوره جات.. وصوره مَجاتش
طلع الأراجوز يتأرجز
اِتْبَلْ من المطرة فباش
طلع النجار بشاكوشه
ذوّق العروسة الأبلاكاش
شكّلها وهندّمها
وحطها جوّه الفاترينا
لمّا راح.. رُحنا
ولمّا جِه.. احنا كمان جينا
جبت كرسي وقعدت جَنْبُه على القهوة أتابع معاه البرواز الأخير.. البرواز اللي بيتحرّك من اليمين للشمال
أقصُد البرواز اللي بيتحرك من الشمال لليمين
لسان الشط اللي بيلف من عند فنار إسكندرية
هوّ برضو مبيخبيش وراه قلعة قايتباي وترسانة السُفن وكافيتريا بحري وشارع المينا القديم
مبيخبيش وراه الناحية الغربية من الكورنيش
ولا خيالات الموج
ولا بنات البحر اللي بترقص على غُنا الصيادين
هوّ ولا هيّ
هيّ ولا هوّ
إسكندرية ولاّ البحر؟
البحر ولاّ إسكندرية
قاعد على نفس الكرسي ونفس الترابيزه اللي مغيرهاش طول قعدته.. محبوس جوَّه برواز من براويز البورصة التجارية
بيْعَافِر يطلّع دَمْعَه صغيرة
مخنوقة جوّ عينيه ومش عارف

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى