نبيل فكري .. يكتب: ليس .. كالسادس من أكتوبر !!
قلوبنا تنفطر قطعاً على غزة وأهل غزة، وأهلها يسطّرون هناك ملحمة صمود باسلة خرجت من حدود «البشرية» إلى تلك الأساطير التي تشبه «كرامات الأولياء» بتفانيهم وصبرهم وتضحياتهم التي عزَّ أن نجد من يقدم مثلها.
وقرار حماس في السابع من أكتوبر من العام الماضي وعمليتها «طوفان الأقصى» بقدر ما أيقظت فينا مشاعر خشينا أن تندثر، بقدر ما آلمتنا وأدمتنا مواكب الشهداء الذين يسقطون كل يوم حتى اقتربوا من 42 ألف شهيد وزاودا عن المائة ألف جريح.
أما الحُكم على السابع من أكتوبر، وهل كان خطأً أم صواباً، فلا أدري عنه شيئاً، والله أعلم بالنوايا والسرائر، وعنده تجتمع الخصوم، لكن ما نستطيعه هو أن نؤآزر أهلنا في غزة، بالدعاء وبالعطاء وبكل ما نستطيع.
كل هذا الذي مضى شيء، وحرب السادس من أكتوبر عام 1973 شيء آخر .. حربنا التي خضناها واسترددنا بها سيناء لا تقارن بالسابع من أكتوبر ولا بغيرها، ولا بهجمة إيران على إسرائيل .. حربنا معجزة حقيقية، وما سواها ليست «بدرا» ولا «الحديبية» كي نخشى أن نقول إنها ليست كحرب السادس من أكتوبر.
طوفان الأقصى أو الهجوم الإيراني أو عمليات حزب الله، أو أية محاولة عربية أو إسلامية للنيل من الكيان البغيض، ندعو الله أن يسدد رمي أهلها وأن ينصرهم، لكننا أبداً لا نقارن تلك المحاولات بحرب حقيقية، كل ما فيها كان مُعجزاً وكان مُخططاً له، وأثمر عن نتيجة حقيقية، أثمر عن استرداد الأرض والكرامة.
كل تفصيلة في حرب أكتوبر لا تشبه غيرها .. من قرآن الفجر بصوت الشيخ محمد أحمد شبيب: بسم الله الرحمن الرحيم «وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» .. التوقيت في رمضان .. الشفرة النوبية لمخترعها الجندي المصري الباسل «النوبي» أحمد إدريس .. الضابط «باقي زكي يوسف» وفكرة استخدام ضغط الماء لإحداث ثغرات في خط بارليف .. الضابط «إبراهيم شكيب» صاحب فكرة إغلاق أنابيب النابالم في قناة السويس .. سلاح المهندسين الذي أقام جسراً عبر القناة مضى بنا إلى سيناء الحبيبة .. الخداع العكسري والاستراتيجي الذي وصل به التفكير حد إقامة مباربات في الخامس من أكتوبر، وغيرها من الحكايات الحقيقية التي كانت عنواناً لعمل حقيقي وتخطيط ما أحوجنا إليه الآن .. والله لو خضنا الحياة بتخطيط أكتوبر لأصبحنا سادة الأمم.
حرب أكتوبر .. ألف وسبعمائة دبابة من مصر وحدها ومثلها تقريباً من سوريا .. آلاف المركبات والمدافع والهاونات وراجمات الصواريخ والطائرات والزوارق والمدمرات وثلاث فرقاطات مصرية واثنى عشر غواصة وكاسحات ألغام وسفن إنزال .. وابل من عشرة آلاف وخمسمائة قذيفة مدفعية سقطت على العدو في أول دقيقة من الحرب .. حكايات وقصص وأبطال وخطط وترتيبات وجنود رسموا في معركتنا الخالدة واحدة من أبهى المشاهد العربية والإسلامية على مر التاريخ.
إياكم أن تقارنوا هذه بتلك، ليس تقليلاً من الأخرى، لكن تلك المقارنات باب من أبواب الفرقة والشتات .. ما يفعله أهلنا في غزة صمود وإباء، لكن ما فعلناه في أكتوبر 73 كانت حرباً حقيقية، خططنا لها ودرسناها وتوقعنا نتائجها وانتصرنا في ختامها، وأذقنا العدو فيها مرارة الهزيمة والإنكسار.
افرحوا بذكرى حرب أكتوبر 73 والأهم أن تستعيدوها .. تستعيدوا أثرها وتأثيرها، ولا تقارنوها بغيرها .. ادعوا لأهلنا في غزة وناصروهم، تبرعوا لهم وادعموهم، وادعوا لأشقائنا في لبنان، لكن لا تقارنوا معاركهم بأكتوبر .. أكتوبر شيء آخر .. أكتوبر معجزة صنعناها وأرض استعدناها وقوة فرضناها .. أكتوبر إرثنا الذي لا يجب أن نفرط فيه .. أكتوبر «بسم الله .. الله أكبر بسم الله بسم الله».