في ظل ضغوطات الحياة وضعف روابط الأخوة الإيمانية، ينشغل الكثيرون عن تفقد أحبابهم وأصدقائهم، ويكتفي أحيانا برسالة أسبوعية جوفاء لا روح فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتحقق من خلالها أقل معاني الصداقة وأحد حقوقها التفقد.
والمتأمل لفلسفة الشريعة الإسلامية يجد أنها أولت قيمة الإخوة والصداقة عناية بالغة، وجعلت لها مجموعة من الحقوق والواجبات، وكذلك المعايير التي تتحدد في ضوئها، وبيانا لذلك: ذكر الإمام الحسن البصري رحمه الله كيف تكون الأخوة الصادقة، فيقول: إِنَّ الْمُؤْمِنَ شُعْبَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ بِهِ حَاجَتَهُ، إِنَّ بِهِ عِلَّتَهُ، يَفْرَحُ لِفَرَحِهِ، وَيَحْزَنُ لِحُزْنِهِ، وَهُوَ مِرْآةُ أَخِيهِ، إِنْ رَأَى مِنْهُ مَا لَا يُعْجِبُهُ سدَّدَهُ وَقَوَّمَهُ، وَوَجَّهَهُ، وَحَاطَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، إِنَّ لَكَ مِنْ خَلِيلِكَ نَصِيبًا، وَإِنَّ لَكَ نَصِيبًا مِنْ ذِكْرِ مَنْ أَحْبَبْتَ، فَتَنَقُّوا الْإِخْوَانَ وَالْأَصْحَابَ وَالْمَجَالِسَ.
ومن أهم الحقوق المتعلقة بالأخوة والصداقة، حق التفقد، وفيه قال عطاء بن أبي رباحٍ – رحمه الله: (تَفَقَّدُوا إِخْوَانَكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ؛ فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى فَعُودُوهُمْ، أَوْ مَشَاغِيلَ فَأَعِينُوهُمْ، أَوْ كَانُوا نَسُوا فَذَكِّرُوهُم)ْ، فتجد مع مشاغل الحياة من يغفل عن متابعة أحبابه وأصدقائه، فيمرض صديقه ولا يعلم، أو يكون لديه ما يشغله ويحتاج إلى العون والمساعدة، أو يكون حدثت جفوة بعد انقطاع كبير وغياب تواصل فينسى الرجل خليله، وفي ذلك لم تتحقق الأخوة والصداقة، ولهذا قال يحيى بنُ مُعاذٍ: “بِئْسَ الأَخُ أَخٌ تحتاجُ أنْ تقُولَ لهُ اذكُرني في دُعَائِكَ”
وتأكيدا على قيمة تفقد الأصدقاء والأحباب، مع أهمية إخلاص النية في هذا التواصل، لا أن يكون لمصلحة دنيوية زائلة؛ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلًا (زارَ أخًا لَهُ في قريةٍ أخرى، فأرصدَ اللَّهُ لَهُ، على مَدرجَتِهِ، ملَكًا فلمَّا أتى عليهِ، قالَ: أينَ تريدُ؟ قالَ: أريدُ أخًا لي في هذِهِ القريةِ، قالَ: هل لَكَ عليهِ من نعمةٍ تربُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحببتُهُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رسولُ اللَّهِ إليكَ، بأنَّ اللَّهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَهُ فيهِ). (صحيح مسلم).
لكن المتفقد لواقع الصداقة والأخوة الحالي بين الكثيرين، يجدها في كثير من الأحيان علاقات جوفاء قائمة على تبادل المصالح والمنافع، وعند غياب تلك المصالح تتبدل الأحوال، بل وربما أحيانا تقطع العلاقات، ومن بين معايير الصداقة الحقيقية أنها تعرف في المواقف لا سيما بمواطن الابتلاء والمحن ونوائب الدهر، وتقلبات الأحوال.
وخلاصة القول، يجب العودة مرة أخرى إلى الأخوة والصداقة الحقيقية بضوابطها ومعاييرها وحقوقها، حتي يتحقق لهذا المجتمع الترابط والتآخي، حتى نحظى جميعا بمحبة الله تبارك وتعالى الذي قال: (وجبت محبتي للمتحابِّين فيَّ والمتجالسين فيَّ والمتزاورين فيَّ والمتباذلين فيَّ).