الانتخابات الرئاسية الأمريكية .. قضايا ساخنة تحدد القادم الجديد إلى البيت الأبيض
قضايا وملفات ساخنة عديدة تلعب دورا مهما في تحديد القادم الجديد إلى البيت الأبيض، وقد تساهم في حسم سباق الرئاسة الأمريكية بين مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب.
ومن بين هذه القضايا ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن القومي ومنها ما هو داخلي، والناخب الأمريكي وحده هو من يحدد بوصلة وأولويات كل مرشح والملفات التي يركز عليها.
وبينما يرى مراقبون أنه رغم القضايا الخارجية العالقة والتوترات المتزايدة حول العالم، فإن ملفات محلية مثل الوضع الاقتصادي والهجرة وأمن الحدود هي ما تؤثر في اختيارات الناخبين، يعتقد آخرون أن الأمريكيين لا يهتمون بالسياسة الخارجية إلا إذا أثرت على حياتهم بشكل مباشر.
ويأتي العدوان المتواصل على قطاع غزة والأزمة الروسية – الأوكرانية وتطورات الأوضاع في أفغانستان في مقدمة القضايا والملفات الخارجية، التي تشهد تباينا في مواقف كلا المرشحين للفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية القادم.
وفيما يتعلق بالأوضاع في قطاع غزة، ترى كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأمريكية ضرورة وقف الحرب في قطاع غزة، وأهمية حل الدولتين لإعادة بناء القطاع، بينما يؤكد دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري أن الحرب في غزة ما كانت لتحدث لو كان رئيسا للولايات المتحدة، دون أن يقدم أحد المرشحين خطة لإنهاء الحرب.
وحول الأزمة الروسية الأوكرانية، أكد دونالد ترامب قدرته على تأمين وقف إطلاق النار في أوكرانيا قبل توليه المنصب إذا فاز في الانتخابات الرئاسية، فيما لم تقدم كامالا هاريس أجندة مستقبلية حول كيفية دعمها لأوكرانيا في إدارة مستقبلية محتملة، مكتفية باستعراض ما قدمته الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن لدعم أوكرانيا وحشد الحلفاء لتقديم المساعدات العسكرية لها.
وبالنسبة للأوضاع في أفغانستان، تؤيد هاريس قرار انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وهو القرار الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية الأمريكية، فيما وصف الرئيس الأمريكي السابق الانسحاب بأنه “اللحظة الأكثر إحراجا في تاريخ الولايات المتحدة”، مشيرا إلى أن الانسحاب أظهر ضعف الولايات المتحدة في أفغانستان، وكان سببا في الأزمة الروسية الأوكرانية.
وتركز هاريس في تناولها قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي على نهج الدبلوماسية التقليدية والتحالفات والدفاع الاستراتيجي والتعاون المتعدد الأطراف من أجل تحقيق الاستقرار، فيما يروج ترامب لنفسه كرجل قوي يمكنه منع الصراعات أو إنهاؤها من خلال القوة الشخصية والتفاوض.
وبشأن قضية تغير المناخ، يبرز الانقسام بين ترامب وهاريس، حيث حرصت مرشحة الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية على جذب الناخبين الأصغر سنا والمدافعين عن البيئة باعتبارها التحول إلى الطاقة النظيفة فرصة اقتصادية وضرورة أخلاقية، فيما قلل الرئيس الأمريكي السابق مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة من أهمية معالجة تغير المناخ، وركز بدلا من ذلك على الفوائد الاقتصادية لمصادر الطاقة التقليدية، حيث يلقى هذا الخطاب صدى لدى الناخبين المعنيين بفقدان الوظائف في صناعات النفط والغاز وأولئك المتشككين في تغير المناخ.
وفي الوقت الذي سلطت فيه هاريس الضوء على استثمارات الإدارة الأمريكية الحالية البالغة تريليون دولار في الطاقة النظيفة وزيادة إنتاج الغاز ووظائف التصنيع الجديدة، وأكدت الحاجة إلى الاستمرار في الابتكار وخلق فرص العمل في قطاع الطاقة المتجددة، يصف ترامب المناخ بأنه خدعة، حيث انتقد مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، بحجة أنها غير فعالة وضارة بالاقتصاد، مشيرا إلى أن سياسات الطاقة التي انتهجتها إدارته خلال فترة رئاسته خلقت فرص عمل وخفضت تكاليف الطاقة.
وأظهرت المناظرة التاريخية التي جرت بين هاريس وترامب، تباينا في المواقف بشأن العديد من القضايا الداخلية، وفي مقدمتها الملف الاقتصادي؛ إذ ركزت هاريس على “اقتصاد الفرص”، الذي يهدف إلى تلبية احتياجات أسر الطبقتين العاملة والمتوسطة من خلال الإعفاءات الضريبية ومبادرات الإسكان ودعم الشركات الصغيرة، وحاولت الترويج لنفسها على أنها “مرشحة الأمل” أو “مرشحة المستقبل”، كما انتقدت ترامب لإعطائه الأولوية لتخفيضات الضرائب للأثرياء والشركات الكبرى، والتي زعمت أنها أدت إلى تضخم العجز.
من جانبه، عزا دونالد ترامب الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة إلى قضايا التضخم والهجرة، ووصف التعريفات الجمركية التي فرضها، خاصة على الصين، بأنها مفتاح التعافي الاقتصادي، بحجة أنها جلبت إيرادات كبيرة مع الحفاظ على انخفاض التضخم خلال إدارته، كما ألقى باللوم على الإدارة الأمريكية الحالية في أزمة التضخم، مشيرا إلى أن الهجرة غير المنضبطة والصفقات التجارية السيئة أدت إلى تفاقم المشكلة.
وبالنسبة لقضايا الهجرة وأمن الحدود، أكدت هاريس على خبرتها في مقاضاة المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، وانتقدت ترامب لعرقلته التشريع الذي حظي بتوافق الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والذي كان من شأنه محاربة تدفق المخدرات والجريمة، فيما وصف ترامب أزمة الحدود بأنها لا تشكل تهديدا للأمن القومي فحسب، بل إنها أيضا تهديد اقتصادي كذلك، كما أعلن عن عزمه على إغلاق الحدود، وعن خطط لأكبر عملية ترحيل محلية في تاريخ الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن عمليات الترحيل الجماعي من شأنها أن تعمل على استقرار البلاد .
وفيما يتعلق بالرعاية الصحية التي تشكل ملفا مهما للناخب الأمريكي، دافعت مرشحة الحزب الديمقراطي عن قانون الرعاية الميسرة، باعتباره شبكة أمان اجتماعي حيوية، وقدمت نفسها كمدافع عن الوصول إلى الرعاية الصحية، خاصة بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة، بينما انتقده مرشح الحزب الجمهوري، وحاول تصوير نفسه كشخص راغب في تحسين النظام .
وترى كامالا هاريس ضرورة التوسع في الوصول إلى الرعاية الصحية وخفض التكاليف مثل تحديد سقف لسعر الأنسولين، ووصفت محاولات ترامب لإلغاء قانون الرعاية الميسرة بأنها ضارة بملايين الأمريكيين، خاصة أولئك الذين يعانون حالات مرضية سابقة، كما تعهدت بمواصلة تعزيز قانون الرعاية الميسرة إذا تم انتخابها .
في المقابل، انتقد ترامب قانون الرعاية الصحية، الذي أصدره الرئيس الأسبق باراك أوباما، ووصفه بأنه معيب بشكل أساسي، لافتا إلى إمكانية تقديم خطة أفضل في المستقبل، برغم أنه لم يقدم تفاصيل محددة أثناء المناقشة .
ويعكس التباين في المواقف بين المتنافسين على الفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة، حالة الاستقطاب العميق التي تعيشها السياسة الأمريكية، حيث يحمل كل مرشح رؤى مختلفة لمستقبل الولايات المتحدة، إذ ركزت هاريس في حملتها على السياسات التي تهدف إلى الوحدة والمساواة والرفاه الاجتماعي والإصلاحات التقدمية، ومعالجة التحديات الأكثر إلحاحا فيما يتعلق بحياة المواطن الأمريكي، في حين عزز ترامب رسالته القائمة على القوة والحماية الاقتصادية وسياسات القانون والنظام، وركز على رسالته “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، متعهدا باستعادة عظمة البلاد من خلال إعادة بناء الاقتصاد وتأمين الحدود وتعزيز الدفاع الوطني .