عام

رحلة الملك رمسيس الثاني إلى المتحف المصري الكبير

في واحدة من أكثر اللحظات التاريخية إثارة وفخرًا، عاش المصريون والعالم أجمع على وقع مشهد نقل تمثال الملك رمسيس الثاني إلى مقره الجديد داخل البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، في عملية وُصفت بأنها الأضخم والأدق في تاريخ النقل الأثري،و  لم تكن مجرد عملية هندسية معقدة، بل كانت ملحمة وطنية تجسد عبقرية الإنسان المصري وإصراره على الحفاظ على تراث أجداده.

بدأت قصة التمثال الضخم عام 1820 حين اكتشف عالم الآثار الإيطالي جيوفاني باتيستا كافليليا تمثال رمسيس الثاني في قرية ميت رهينة بالبدرشين، وهي موقع مدينة منف القديمة، على بُعد نحو 25 كيلومترًا من الجيزة،و يبلغ ارتفاع التمثال أكثر من تسعة أمتار، ويزن ما يقرب من 83 طنًا، وهو مصنوع من الجرانيت الوردي الذي يرمز إلى القوة والخلود.

نظرًا لضخامته واستحالة نقله في ذلك الوقت، أمر محمد علي باشا ببناء مبنى خاص لحمايته في موقعه الأصلي ليظل شاهدًا على عظمة الفراعنة لعقود طويلة، ومع مرور الزمن، وتحديدًا في عام 1954، قرر الرئيس جمال عبد الناصر نقله إلى قلب العاصمة القاهرة تخليدًا لذكرى ثورة يوليو، ليستقر بعدها في ميدان باب الحديد الذي تغير اسمه لاحقًا إلى ميدان رمسيس، أصبح التمثال منذ ذلك الحين أحد أبرز رموز القاهرة ومقصدًا للزوار من داخل مصر وخارجها.

لكن التمثال لم يسلم من أضرار التلوث والاهتزازات الناجمة عن حركة السيارات والمترو، وهو ما دفع المتخصصين إلى دق ناقوس الخطر، وبدأت الدراسات في البحث عن حل يضمن سلامته، حتى تم اتخاذ القرار بنقله مجددًا إلى موقع أكثر أمانًا بجوار المتحف المصري الكبير.

في الخامس والعشرين من أغسطس عام 2006، انطلقت عملية النقل الكبرى التي تابعها العالم لحظة بلحظة. قاد فريق هندسي مصري من شركة المقاولون العرب العملية باستخدام تقنيات متطورة شملت أوناشًا هيدروليكية وقاطرات ضخمة لتأمين التمثال خلال رحلته التي امتدت لنحو 11 ساعة لمسافة 30 كيلومترًا بسرعة لا تتجاوز خمسة كيلومترات في الساعة، و كان المشهد أشبه بعرس وطني، احتشدت خلاله الجماهير على طول الطريق، فيما بثت القنوات العالمية الحدث مباشرة بوصفه إنجازًا مصريًا استثنائيًا.

بعد سنوات من الانتظار والدراسات، أُنجزت المرحلة الأخيرة في يناير 2018 حين أُعيد نقل التمثال إلى البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، في موقعه الحالي الذي يستقبل الزوار من جميع أنحاء العالم،و استُخدمت في هذه العملية أربع روافع هيدروليكية متزامنة بقوة إجمالية بلغت 600 طن، وتم تجهيز الأرضية بمسار هندسي بطول 400 متر مع توزيع الحمل على 16 محورًا لضمان الأمان الكامل.

جرت تغطية التمثال بطبقات واقية من الفوم والمطاط لتقليل الاهتزازات، وخرجت العملية بدقة علمية أبهرت الخبراء العالميين الذين وصفوها بأنها مثال يحتذى في الحفاظ على التراث.

اليوم، يقف تمثال الملك رمسيس الثاني شامخًا في بهو المتحف المصري الكبير، مرحبًا بزوار الحضارة المصرية العريقة، بعد رحلة امتدت لما يقرب من قرنين من الزمن بين الاكتشاف والنقل والعرض.

 

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى