اكتشاف قلعة تل الخروبة العسكرية في سيناء يعيد كتابة تاريخ مصر القديمة

في إنجاز أثري جديد يسلط الضوء على عبقرية المصريين القدماء في فنون الحرب والتحصين، أعلنت البعثة الأثرية العاملة في منطقة تل الخروبة بشمال سيناء عن اكتشاف قلعة عسكرية ضخمة تعود إلى عصر الدولة الحديثة، وذلك في موقع استراتيجي يُعد البوابة الشرقية لمصر، مما يجعل هذا الكشف أحد أهم الاكتشافات الأثرية ذات الطابع العسكري خلال السنوات الأخيرة.
قلعة تل الخروبة في سيناء
ويكشف هذا الاكتشاف الفريد عن الدور التاريخي المهم الذي لعبته سيناء كخط الدفاع الأول عن أرض مصر، وحصنها الحامي في مواجهة الأخطار القادمة من الشرق، حيث تجسد القلعة المكتشفة تطور الفكر العسكري والهندسي لدى المصري القديم، وقدرته على تصميم منظومة دفاعية متكاملة تجمع بين القوة الهندسية والتنظيم العسكري الدقيق لحماية حدود الدولة وتأمين طرقها التجارية والعسكرية.
ويُظهر تصميم القلعة المكتشفة، بما يتضمنه من تحصينات وأسوار ضخمة وبوابات محصنة، أن المصريين القدماء امتلكوا رؤية استراتيجية متقدمة سبقت عصرهم، إذ اعتمدوا في تخطيطهم على أساليب دفاعية معمارية مبتكرة، الأمر الذي يعكس مدى وعيهم بأهمية الأمن القومي وضرورة تأمين مداخل البلاد.
كما يعيد هذا الكشف تسليط الضوء على الأهمية التاريخية لمنطقة شمال سيناء التي ظلت على مدار العصور مسرحًا لأحداث كبرى وشاهدًا على بطولات المصريين في حماية أرضهم.

اكتشاف القلعة العسكرية الجديدة
قال الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار المصري الكبير، إن اكتشاف القلعة العسكرية الجديدة في تل الخروبة يمثل إنجازًا علميًا وتاريخيًا فريدًا، يعيد إلى الأذهان المكانة الاستراتيجية التي احتلتها سيناء في تاريخ مصر القديم، باعتبارها الحارس الأمين على البوابة الشرقية، وخط الدفاع الأول عن حدود الدولة.
وأضاف عبد البصير أن هذا الكشف يعكس أن المصريين القدماء لم يكونوا فقط مبدعين في بناء المعابد والمقابر التي تمجّد العقيدة والحياة الأبدية، بل كانوا أيضًا روادًا في فنون التنظيم العسكري والهندسة الدفاعية، حيث شيدوا سلسلة من القلاع والحصون على امتداد طريق “حورس الحربي” لتأمين حدود مصر وحماية طرقها التجارية والعسكرية.
وأوضح أن القلعة المكتشفة تتميز بعناصر معمارية متقدمة مثل السور المتعرج “الزجزاجي” والبرج الدفاعي الكبير والمدخل الفرعي المحصن، وهي تفاصيل هندسية متطورة تدل على فكر عسكري استراتيجي متكامل، كما أن العثور على ودائع أساس مختومة باسم الملك تحتمس الأول يؤكد أن القلعة تعود إلى بدايات الأسرة الثامنة عشرة، وهي الحقبة التي شهدت بزوغ قوة الإمبراطورية المصرية.
وأشار عبد البصير إلى أن اكتشاف فرن للخبز وكميات من العجين المتحجر داخل القلعة يقدم لمحة واقعية عن الحياة اليومية للجنود المصريين القدامى، ويُظهر جانبهم الإنساني كأفراد يعيشون ويعملون في ظروف صعبة من أجل حماية الوطن.
وختم عبد البصير تصريحاته مؤكدًا أن هذا الكشف الأثري يعيد التأكيد على أن مصر القديمة كانت دولة مؤسسات متقدمة تقوم على الفكر والتخطيط والعلم، وأن الجيش المصري لم يكن مجرد قوة عسكرية بل نموذجًا في الإدارة والانضباط والتنظيم. فكل حجر في هذه القلعة يروي قصة وطنٍ حمى حدوده بالعلم والعزيمة، لتبقى مصر – كما كانت دائمًا – قلعة الحضارة والتاريخ والدفاع عن الإنسانية.





