عاممقالات

لا تقبل بلا شيء .. ولا تعش على الهامش

بقلم/ أد٠ بديعة على أحمد

الأستاذ بجامعة الأزهر

ليست القضية في أن تأخذ كل شيء .. بل في ألا تقبل بلا شيء..
لا تقبل بأقل مما تستحق ، ولا تعش على الهامش..

أحيانًا يُخيل إلينا أن الصمت نجاة ، وأن التنازل حكمة، وأن الرضا بما هو متاح فضيلة لا تُضاهى..
لكن الحقيقة أن الحياة لا تُكافئ من يختبئ ، ولا تمنح المجد لمن يرضى بالفتات ، بل تعطيه لمن يطالب، لمن ينهض، لمن يعرف جيدًا ما يستحق، ويرفض أن يعيش بدونه..

أن لا تقبل بأقل مما تستحق، يعني أن تؤمن بنفسك حتى حين يشك الجميع ..
أن ترى النور في داخلك حين لا يراه أحد..
أن ترفع رأسك عاليًا ، لا غرورًا بل اعتزازًا..
لا تسمح لأحد أن يحدد حجمك ، ولا لظرف أن يصغّرك ، ولا لزمن أن يطفئك..

أما أن تعيش على الهامش ، فذاك موت بطيء..
الحياة على الهامش كأنك تعيش داخل قوس صغير في نهاية جملة كتبها غيرك..
لا أنت القائل ، ولا المعنى يعود إليك..
فكيف ترضى أن تكون هامشًا في روايتك الخاصة؟

الذين صنعوا الفارق لم يكونوا الأكثر حظًا ، بل كانوا الأجرأ..
الذين وقفوا في منتصف الطريق وقالوا “هذا لا يكفيني” ، هم من غيروا مجرى الأيام..
وحدهم من رفعوا سقف أحلامهم فوق كل شك ، ووصلوا..
لا تساوم على نفسك..
لا تخف من الوحدة إن كانت كرامتك على الكفّة الأخرى..
من يعرف قيمته ، لا يخشى خسارة من لا يعرفها..

فكن كما يليق بك لا كما يطلب منك الآخرون..
إصنع لنفسك مكانًا في المقدمة، حتى لو اضطررت أن تبدأ وحدك..
الطريق قد يكون موحشًا في أوله، لكنه يمتلئ بالضوء كلما اقتربت من حقيقتك..

يا قلب ، أما آن لك أن تطمئن؟
إنك لا تسير وحدك ، وإن بدا الطريق موحشًا..
إن الخطى التي تتعثر تُمسك بها رحمةٌ خفية لا تُرى، وإن خفتَ من الغد، فاعلم أن الغد لم يُخلق بعد، وإنما خُلق اليوم، ومعك ربٌّ كريم يُدبّره..

كفّ عن محاولة معاندة الأقدار ، فما كُتب لك لن يُخطئك، وما فُقد منك ربما كان ثِقلًا لا يناسب سَفَرك إلى الله..

لا تستوحش دربًا قلّ فيه السالكون، فإن أغلب القلوب تسكن الزحام وتضيع، أما القليل فهم الذين اختاروا القرب لا الكثرة، واليقين لا التردد، والسكينة لا الضجيج..

كن ممن إذا ضاقت عليه الأرض لم يسأل “لماذا” ..
بل قال : “يا رب ، خذ بيدي”..
وإذا تكسّر فيه الأمل، لم يجمع شظاياه بيدٍ مرتجفة، بل رفع كفّيه وقال : “يا رب رمّم قلبي بلُطفك”.

لا تستصغر خطوات العودة إلى الله، فحتى الرجوع على استحياء، رجوع..
والدمعة التي لا يراها الناس، يقرؤها الله كاملة، كأنها دعاء طويل لم يُنطق..

فامشِ إليه بقلبك وإن تعبت الأقدام..
ويكفي أن تعلم أن السائر إليه، لا يُترك في منتصف الطريق..

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى