
مجرد فيديو قام بتصويرة صاحب سيارة ملاكى تم الإعتداء عليه بالألفاظ النابية وتهديده من قبل شاب صغير يقود «توكتوك» فى طريق الاوتوستراد، ويقول فيه أنا شهاب من عند الجمعية ويمسك في يده مفك كبيرة مهددا صاحب السيارة، انتشر كالنار فى الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي وتمت مشاركته على صفحات وزارة الداخلية، والتى بدورها قامت بإلقاء القبض عليه.
اعترف شهاب ابن الـ ١٥ عاماً بالواقعة وأكد أنه العائل الوحيد لأسرته ويقوم بالإنفاق عليها من عمله على التوكتوك وأن مصادرة هذا التوكتوك تعني تشريد الأسرة وموتها من الجوع.
وبإستعراض هذه الواقعة نجد أن هناك عدة أسئلة تطرح نفسها: لماذا إنتشر فيديو الواقعة بهذا الكم الكبير على السوشيال ميديا ؟، والسؤال الثانى: هل شهاب والذى يُعتبر رسميا ما زال فى سن الطفولة جانياً أم مجنياً عليه؟.
والحقيقة أن إنتشار الفيديو سببه أن شهاب بشكله وطريقة كلامه وتهديداته التى ظهرت فى الفيديو هو مثال حى وواقعى موجود مثله بالآلاف فى كل مدن ومراكز وأحياء وشوارع مصر، والآلاف من المواطنين يتعرضون يوميا لمضايقات ومناوشات ومعارك من كل شهاب في منطقته وخاصة سائقي التكاتك منهم والذين ينتشرون كالجراد في كل أنحاء البلاد دون الخضوع لأية رقابه مرورية أو إلتزام وبعضهم يتفنن في عمل المخالفات
والتصرف بعشوائية ينتج عنها حوادث ومصادمات يومية.
والحقيقة أن غالبية من قاموا بتداول الفيديو و«شيروه» لوزارة الداخلية وجدوا ضالتهم في شهاب اللي من عند الجمعية، وقرروا الإنتقام من كل شهاب في منطقتهم يتعرض لهم ويضايقهم ولا يستطيعون الرد عليه، ويؤثرون السلامة خوفا مما قد يصيبهم من فعل عنيف أو سلوكيات غير سوية وغير محمودة العواقب.
أما السؤال الثانى: هل شهاب سائق التوكتوك ابن الـ ١٥ سنة جان أم مجنى عليه؟ .. فى رأيى أن شهاب بتاع الجمعية وكل شهاب مثله فى كل ربوع مصر هم ضحايا هذا المجتمع الذى نعيش فيه.

شهاب يبدو من طريقته وأسلوب كلامه أنه حُرم من التعليم بسب فقر الأسرة وعدم قدرتها على تعليم أبنائها بعد أن بات التعليم مُكلفا ومصاريفه فوق قدرة الملايين.
شهاب وكل شهاب مثله ضحيات فقر وظروف إقتصادية سيئة جعلته لا يعيش طفولته وسنه وأن يحيا في بيئة تربيه وتعلمه وترشده ولكن فى مثل هذه الظروف السيئة لا مجال لكل هذا فالكل مشغول بالبحث عن لقمة عيش تسد الجوع والحوجهة.
شهاب ومن مثله ضحايا فن هابط ردىء يدعو للبلطجة على يد «نمبر وان» وأمثاله وأغانى كلها إسفاف على يد بيكا وشاكوش وأمثالهم ، وبدلاً من أن يُصبح الفن رسالة ويقدم العبر والمواعظ أصبح أداة هدم لكل ما يتعلق بالأخلاق والتربية السوية.
شهاب وكل شهاب مثله ضحايا إعلام مُزيف مُدلس يدور فى دائرة مصالحه الخاصة ومصالح من يدفعون له، ولا يسمح بأى صوت مفيد وعاقل وصاحب رؤية بإستطاعته أن يقدم رسالة مفيدة يمكن أن يتأثر بها ويهتدى بها شهاب وأمثاله.
شهاب وكل شهاب مثله، ضحايا فساد وإهمال تغلغل كالسوس فى العديد من مفاصل الدولة ومؤساساتها و تكدست أرصدتهم بالبنوك دون وجه حق وبثروات مشبوهه مجهولة المصدر، وأصبح بعضهم من القوة التى يصعب مواجهتها، وهؤلاء تجد أبناءهم يظهرون فى فيديوهات الساحل الشرير صيفاً ويتحدثون عن مصاريف يومية تكفى أسرة كأسرة شهاب سنة كاملة، ويركبون سيارات فارهه ويتحدثون عن أسعار ملابس لا قِبل لاحد بها.
شهاب ومن مثله ضحايا مجلس نواب لم يُضبط يوماً طوال خمس سنوات يمارس إنحيازه للطبقة الفقيرة والمهمشه، برلمان منزوع الدسم لا يتذكر المواطنين سوى فترة الترشح والإنتخايات، برلمان أصدر العديد من القوانين التي أوصلت شهاب ومن على شاكلته لهذا الحال المتردي.
شهاب وكل شهاب مثله ضحايا إختلال طبقى بالمجتمع وفجوة كبيرة بين من يملك كل شىء ومن لا يملك أى شىء فى ظل إنهيار الطبقة المتوسطة التى كانت رمانة ميزان المجتمع والمفرخة الحقيقية لكل عظماء المجتمع ومفكريه وعلمائه، ولكنها تآكلت وكادت أن تندثر نتيجة أوضاع إقتصادية طاحنة، مما كان له الأثر الكبير في التراجع على العديد من المستويات الاقتصادية والسياسية والعلمية و الثقافية والفنية الإعلامية.
نعم شهاب وكل شهاب مثله في كل أنحاء الوطن هم خطر على المجتمع ومشروع شخص غير سوي مستقبلاً ولكن لا يجب أن يعفي أحد ويتنصل من مسؤليته عن وصول شهاب ومن مثله لهذا الشكل وهذا التكوين وهذا السلوك.
ولن يكون الحل هو سجن شهاب وتقييد حريته وتجويع أسرته، لأنه سيخرج من السجن حاقداً وناقماً على المجتمع بأكمله وسيكون مشروعاً لمجرم كبير يمكن أن يفعل أى شىء مقابل المال وقد يكون الضحية أنا أو أنت أو غيرنا والمجتمع بأكمله سيدفع الثمن.
الحل فى إحتواء شهاب وأمثاله، ولن يحدث هذا إلا من خلال بداية جديدة ووقفة جادة وفورية من الجميع وفي المقدمة كل مؤسسات الدوله ومن بيدهم أمر البلاد، لبناء عقد إجتماعى جديد لإخراج البلاد من عثرتها وإحداث توازن طبقى بالمجتمع وتحقيق العدالة ومحاربة الفساد والإهمال، وهو ما سينعكس على وحدة وقوة وإصطفاف الجبهة الداخلية، والتي تعتبر الضمانة الحقيقية الفاعلة للتصدى لأى مؤامرات تُحاك للبلاد فى ظل أحداث دراماتيكية تشهدها منطقتنا وتقترب منا بسرعة، فهل من مستمع قبل فوات الأوان ؟؟






