عام

موضوع خطبة الجمعة اليوم 14 نوفمبر 2025 .. النص بالكامل

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 14 نوفمبر 2025، بعنوان “هلّا شققت عن قلبه”، مؤكدة أن الهدف من الخطبة هو التوعية بحقوق الإنسان كما أقرها الإسلام وأثر ذلك في مواجهة التطرف والتشدد.

خطبة الجمعة اليوم

وأوضحت الوزارة أن الخطبة تسلط الضوء على تعاليم الإسلام التي تحث على التيسير والرفق، ونهى عن الغلو والتعسير، مؤكدة أن الدين يحض على الرحمة والاعتدال وحسن الظن بالآخرين، وعدم إطلاق الأحكام على النوايا قبل التأكد منها.

وذكرت الوزارة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكد في موقفه مع أسامة بن زيد احترام حياة الإنسان وحسن الظن بالخليقة، مؤكداً أن التعصب والتشدد يتعارضان مع جوهر الشريعة السمحة وحقوق الإنسان.

كما تناولت الخطبة ضرورة تعزيز التسامح والستر، وعدم الحكم على الناس بالظنون، وغرس القيم الإنسانية في الأجيال الجديدة، مشيرة إلى أن حماية الدماء والأعراض ونشر ثقافة الحوار والرحمة هي مبدأ أساسي في التعامل بين البشر.

وشددت على أن تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم تمثل منهج حياة يُبنى عليه احترام الآخرين والاعتدال في الدين، بما يعزز الألفة والتعايش بين أفراد المجتمع.

نص خطبة الجمعة

الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا الدينَ، وأتمَّ النعمةَ، وأوضحَ السبيلَ، ورضيَ لنا الإسلامَ دينًا، وجعلَه سهلًا يسيرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، شرعَ الرفقَ والتيسيرَ، ونهى عن الغلوِّ والتعسيرِ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيَّه من خلقِه وحبيبه، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وبعدُ:

فإنَّ تعاليمَ الإسلامِ هي النور الهادي، والحصنُ الواقي، والملاذُ الآمنُ، الذي يغمرُ أرواحَنا بالسكينةِ، ويُنعشُ مجتمعَنا بالرحمةِ، فجوهرُ هذا الدينِ يدعو المؤمنَ ليكون ينبوعَ رحمةٍ، وغيثَ أمانٍ، لا سيفَ شِدَّةٍ ولا منبعَ عدوانٍ، ولقد جاء التوجيهُ المحمديُّ ليؤكدَ حقوقَ الإنسانِ، ويجعلَ التعاملَ بين الناسِ قائمًا على البصيرةِ لا على ظنونٍ تورِدُ المهالكَ، فالتشددُ مرفوضٌ، والحكمُ على النوايا حَرَمٌ لا ينبغي تجاوزه في أيِّ نزاعٍ، فكيفَ لنا أن نطلقَ الأحكامَ على الضمائرِ ونحن لا ندركُ السرائرَ، وهو وحده يبلو خفيّات الضمائر؟ فلا بدَّ أن نتبنى أخلاقَ القرآنِ، وأن نبتعدَ عن التسرعِ والتجني تحتَ شعارِ الاستعلاءِ بالإيمانِ، لذلك كان السؤالُ النبويُّ الخالدُ الذي أنكرَ فيه الجنابُ المعظمُ صلى اللهُ عليهِ وآله وسلمَ فعلَ سيدِنا أسامةَ عندما طلب أحدهم الأمان بكلمة التوحيد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فرأى سيدنا أسامة رضي الله عنه أن الرجل قالها خوفًا من السلاح فقتله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا؟ أَمْ لَا؟»، فليس بعد هذا الكلمِ المعظَّمِ غايةٌ في التنبيهِ على وجوبِ احترامِ الحياةِ البشريةِ، وحسن الظن بالخليقة، وعدمِ الانسياقِ خلفَ الظاهرِ انقيادًا للظنِّ واتِّباعًا للهوَى.

أيها المكرمُ: إن تعاليم الإسلام وتوجيهاته هي الكهف الحصين، والمنهج القويم للإنسانيةِ، أَلَمْ يقفِ الجنابُ المعظمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في خطبةِ الوداعِ ليعلنَ الميثاقَ العالميَّ الأولَ لحقوقِ الإنسانِ؟ أَلَمْ يجعلِ النبيُّ دمَ المؤمن أشدَّ حرمةً عند اللهِ من الكعبةِ، فعن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».

أليست كلماتُه الإنسانيةُ الخالدةُ في جنازةِ اليهوديِّ: “أَلَيْسَتْ نَفْسًا” تنسفُ كلَّ عنصريةٍ؟ أَلَمْ يكن هذا التعاملُ النبويُّ الراقي هو الحافظَ لحقِّ الكرامةِ الإنسانيةِ الشاملةِ؟ فتخيَّرْ منهجَ التسامحِ والسترِ، وابتعدْ عن الحكمِ على الخلقِ بالظنِّ، واتهامِ الناسِ بغيرِ حقٍّ، والتمسِ العذرَ لغيرِك، ولا تبحثْ عن عيوبِ الناسِ قبل أن تنظرَ في عيوبِ نفسِك، واستمعْ إلى هذا النداءِ الإلهيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتنبُوا كَثيرًا مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.

أيها الكرامُ، إنَّ أخطرَ ما يتصفُ بهِ تيار الغلوِّ والتطرفِ هو أنَّه يقفُ نشازًا صارخًا في وجهِ جوهرِ الشريعةِ السمحةِ، فجريمتُهم النكراءُ تكمنُ في هدرِ حسنِ الظنِّ الذي هو قِوامُ الألفةِ، ودرعُ الوقايةِ من التجسسِ والريبةِ، فهم لا يكتفون بالظاهرِ الذي أمرَنا اللهُ بالحكمِ بمقتضاه، بل يرمونَ النوايا بالأحكامِ الجائرةِ، فيتخذون من التفسيقِ والتبديعِ سُلَّمًا لانتهاكِ عصمةِ النفسِ البشريةِ، وانتهاكِ الحرماتِ الإنسانيةِ، فالفكرُ المتشددُ لا يرى للإنسانِ كرامةً، ولا يرى لحقوقِ المخالفِ وَزْنًا، فهم- كما يزعمون- الطائفةُ المنصورةُ التي بيدِها صكُّ الغفرانِ، فلا يحترمون حقوقَ الإنسانِ والأكوانِ، وصدقَ فيهم التحذيرُ النبويُّ: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ».

أيها النبلاءُ، اغرسوا في قلوبِ أبنائِكم تعظيمَ حرمةِ الدماءِ والأعراضِ، علِّموهم حفظَ اللسانِ والجَنانِ، وعدمَ الخوضِ في نوايا الناسِ، انشروا ثقافةَ الحوارِ والرحمةِ والتسامحِ وحسنَ الظنِّ بالآخرينَ، ذكِّروهم أن ميزانَ التفاضلِ الحقيقيّ هو التقوى والعملُ الصالحُ، لا الظنونُ التي تنسفُ الألفةَ، ولا الاتهاماتُ التي تَهدِمُ كيانَ المجتمعِ، اجعلوا الحُسنى في التعاملِ مع الخلقِ والتماسِ الأعذارِ عنوانَ حياتِكم، فمبدأُ “هلا شققتَ عن قلبِه” ليس قصةً تُحكى، بل هو منهجُ حياةٍ يبني الإنسانَ، فليكنْ كلُّ واحدٍ منكم سفيرًا لرحمةِ الإسلامِ وعدلِه، ونموذجًا حيًّا للقيمِ الإسلاميةِ النبيلةِ، وتتبعوا هذا المنهجَ النبويَّ الفريدَ «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ».

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى