
بقلم/ أ.د / محمدسلام
أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر
بفضل الله وبرحمته، يوافق اليوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة هذا العام ١٤٤٦ هجرية يوم “التروية” رواكم الله، وسقاكم من يد الحبيب ﷺ سُقيا لا ظمأ بعدها أبدا…
• ويوافق غداً الخميس يوم “عرفة” عرَّفكم الله طريقكم إلى الجنة أنتم ومن تحبون في الله جلَّ الله…
قال تعالى: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) -سورة محمد، آية ٦.
• وبعد غد الجمعة يوم “العيد” أعاده الله عليكم وأنتم بخير حال.
وهو يوم يعود فيه الله -تبارك وتعالى- على عباده بإحسانه إليهم، وفضله عليهم، ورحمته بهم أكثر ما يعود به من الخير عليهم في باقي الأيّام…
••• من التاريخ……؟
••• وللتاريخ…….!!!
• يوم “التروية”:
——————–
هو يوم الثامن من شهر ذي الحجة…
– وسُمِّي بهذا الاسم؛ لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء في مكة، ويخرجون به إلى “مِنَى” حيث كان الماء معدومًا في تلك الأيام ليكفيهم حتى اليوم الأخير من أيام الحج…
– وقيل : سُمِّي بذلك؛ لأن الله تبارك وتعالى أرى نبيَّه وخليله إبراهيم عليه السلام المناسك في ذلك اليوم…..
︎ يوم “عرفة” :
—————–
يقع جبل عرفة شرق مكة على الطريق الرابط بينها وبين الطائف بحوالي 22 كم، و 10 كيلو متر من منى، و 6 كيلو متر من مزدلفة.
• وقد تعددت الروايات حول سبب تسمية عرفة بهذا الاسم…
لكن الروايتين الأشهر والأكثر ذيوعًا هما:
– الأولى: أن أبا البشر أبانا “آدم” التقى أُمَّنا “حواء” وتعارفا بعد خروجهما من الجنة في هذا المكان، ولهذا سمي بعرفة…
– والرواية الثانية: أن “جبريل” طاف بالنبي “إبراهيم” الخليل عليه السلام، فكان يريه مشاهد ومناسك الحج….
فيقول جبريل لإبراهيم : ” أعرفتَ…..؟ أعرفت…..؟”
فيقول إبراهيم لجبريل : ” عرفتُ…….، عرفت……. ”
ولهذا سمي عرفة….
• ويوم عرفة هو يوم التاسع من شهر ذي الحجة…
• وهو يوم إكمال الدين دين الله القيم القويم، وإتمام النعمة من رب العالمين على عباده الصالحين…
ففي هذا اليوم المبارك نزلت الآية الكريمة: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً”.
نزلت هذه الآية على النبي ﷺ وهو واقف بعرفة يوم الجمعة، مما يدل على عظمة هذا اليوم وأهميته في تاريخ خير أمة أخرجت للناس، إذ يأمر أهلوها بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله.
• والوقوف بعرفة يُعَدُّ أحد أركان الحج العظيم؛ لما رُوي عن رسول الله ﷺ أنه قال: ” الحج عرفة “.
فهو يُعَدُّ أفضل أيام الله؛ حيث يقف فيه الحُجّاج “بعرفات” في لحظات روحانية فريدة لا تُضاهى، في مشاعر وشعور يعجز الوصف عن وصفه في ذلك المكان المقدس، في أعظم اجتماع بشري على وجه الأرض…
الجميع : بلباس واحد، لا فرق بين غني وفقير، وحاكم ومحكوم.
الجميع : يهتفون “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك،
إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك…..”
القلوب نابضة خاشعة متبتلة إلى ربها تبتيلا…
والعيون سائلة دموعها رغبًا ورهبًا وفرحًا بفضل الله وبرحمته…
والألسنة لاهجة بذكر ربها ملبية أمر ربها، داعية ضارعة راجية عفو ربها ومغفرته، ورضاه ورضوانه، ونعيم جناته التي أعد فيها لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر…
في هذا الموقف العظيم يتجلى الله جلَّ جلاله على عباده، ويباهي بهم الملائكة قائلاً:
” انظروا يا ملائكتي: هؤلاء عبادي، أتوني شُعثًا غُبْرًا،
أُشهِدكم يا ملائكتي، أني قد غفرت لهم،
• وعن أفضل الذكر والدعاء فيه:
– رُوِى عن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قال: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ:
«لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». – رواه أحمد.
• وعن عظيم ثواب صيام يوم عرفة:
رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
«صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». – أخرجه مسلم.
• وعَنْ حال الشيطان الرجيم في هذا اليوم العظيم:
رُوِى عن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
” مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ “. – رواه مالك في الموطأ.
• وعن عظيم فضل يوم عرفة:
رُوِي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال:
” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة “. – رواه مسلم.
• يوم “العيد” :
__________
تعود تسمية العيد بهذا الاسم لاشتقاقه من العَوْد؛ لأنّه يعود في كلّ عام….
– والعيد يطلق على ما يعود أي (يزور) الناس فيه بعضهم بعضًا
بصورة فيها فرح ومرح وسرور، وتصافح وتسامح وتواد….
– وقد بدأ الاحتفال بعيد الأضحى المبارك في زمن نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام…
– حيث كان قد رأى ذات ليلة في المنام أن الله سبحانه وتعالى يأمره أن يذبح ابنه “إسماعيل” الذي كان أعز ما عنده في الدنيا…
– ولما كانت رؤيا الأنبياء حقًّا، وكان سيدنا إبراهيم قد رأى في منامه أنه يذبح ولده، فلما قصَّ رؤياه على ولده، فقد امتثل هذا الابن المبارك لمشيئة الله جلَّ جلاله، وطلب من والده تنفيذ الرؤيا قائلاً له ما حكاه القرآن الكريم:
(قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
– سورة الصافات، آية ١٠٢.
– وفي الوقت الذي هَمَّ فيه سيدنا إبراهيم بالامتثال لأمر الله عز وجلّ بذبح ابنه إسماعيل، كانت عناية الله ورحمته التي وسعت كل شيء ماثلة في افتداء الله تبارك وتعالى “إسماعيل” عليه السلام بذِبْحٍ عظيم….
– ومنذ تلك الواقعة التاريخية سُنَّ للمسلمين تخليد هذه الذكرى، واتباع هذه السنة العظيمة، والاحتفال بها من خلال التقرب إلى الله بالتضحية بشاة، أو بقرة، أو جمل : تقرُّبًا إلى الله، وتوسعةً على العيال والأهل، والفقراء، ومهاداةَ الأقارب والجيران والأصدقاء بجزء منها…
يقول الله تبارك وتعالى:
(وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ • لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) – سورة الحج، آية ٣٦، ٣٧.
(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
– سورة ق، آية ٣٧.
• أعاد الله علينا وعليكم، وبلادنا العزيزة، وأمتنا الكريمة هذه الأيام المباركات، والعيد بالخير، واليمن، والبركات…
• وكل عام ..
وأنتم في معية رب الخير، بجميل طاعته، وعمل القربات.






