اللغة العربية و«العروبة» .. إلى أين ؟
من بين اللغات السامية، تتميز اللغة العربية بقيمة ومكانة مرموقة، وتحظى بتقدير واحترام أكثر من 400 مليون نسمة في أرجاء العالم العربي وخارجه، وتشهد على تاريخ وحضارة عريقين. إنها لغة القرآن الكريم، الكتاب السماوي للإسلام، وإحدى اللغات التي يُعترف بها رسميًا في أروقة الأمم المتحدة حيث يُحتفل بيومها العالمي في ١٨ ديسمبر من كل عام.
وفي هذا السياق، كانت اللغة العربية، ولا تزال، عاملًا مؤثرًا في التاريخ والواقع الذي نعيشه ويحيط بنا، فأثرت لغة الضاد في مجرى تاريخ الإمبراطورية الإسلامية في منطقة البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة ما بين القرنين الثامن والثاني عشر.
وليس هذا فحسب، بل تركت اللغة أثرًا واضحًا على جوانب متعددة من اللغات الأخرى، سواء في المفردات أو القواعد أو الثقافة. ومن اللغات التي اقتبست واستوعبت الكثير من مفرداتها من اللغة العربية نذكر الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.
ومع ذلك، نجد في المقابل تراجعًا ملحوظًا في فكرة “العروبة” نفسها، لاسيما مع تصاعد مؤشرات التهديدات المتزايدة للعرب أنفسهم سواء في أوروبا نتاج الهجرة إليها، أو حتى كما حدث في فلسطين منذ عملية طوفان الأقصى عندما تم وصف المدنيين الأبرياء بأنهم “حيوانات بشرية”.
لغة الضاد وبصمات لا تُمحى
تُعد اللغة العربية من أهم اللغات في التاريخ الإنساني، فهي لغة القرآن الكريم والحضارة الإسلامية، ولها دور بارز في تشكيل الهوية الثقافية للشعوب العربية.
وقد أثرت اللغة العربية بشكل ملحوظ وآسر على اللغات الأوروبية، سواء من خلال الاتصالات التجارية أو العلمية أو الثقافية. ومن أبرز مظاهر هذا التأثير هو استخدام الأرقام العربية في الرياضيات والمحاسبة والتجارة، واستلهام اللغة العربية لمصطلحات من اللغة الفارسية في مجالات الحرف والفنون الجميلة.
ولم يقتصر تأثير اللغة العربية على اللغات الأخرى فحسب، بل شمل أيضًا تطورها وتنوعها الداخلي. فقد شهدت اللغة العربية تحولات وتغيرات عديدة على مر العصور، نتيجة للتفاعل مع اللهجات المحلية القديمة، واللغات الأوروبية الحديثة، مثل الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية.
وقد أدى ذلك إلى ظهور لهجات وأساليب مختلفة في اللغة العربية، تعكس تنوع الشعوب والثقافات العربية. فهي اللغة الرسمية لـ 22 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا. وبالإضافة إلى الجوانب اللغوية والثقافية، فإن اللغة العربية لها أيضًا أهمية أدبية كبيرة، فهي لغة الشعر والنثر والخطابة والبلاغة.
وقد ازدهرت الأدب العربي في العصور الإسلامية، وتأثر بالعوامل المختلفة التي برزت وقتذاك، مثل صعود الإسلام، والفتوحات العربية، والترف الإمبراطوري للعباسيين الأوائل، والتفاعل والتلاقح مع الحضارات الأخرى، ولا سيما في إسبانيا، حيث فتح الأندلس!
السمات المميزة للغة الضاد
نظام الكتابة: تُكتب العربية من اليمين إلى اليسار بحروف أبجدية يبلغ عددها 28 حرفًا، معظمها صوامتٌ تُدعمُ بحركاتٍ ترمز إليها علامات تشكيل فوق الحروف أو تحتها. يضفي هذا على العربية طابعًا زخرفيًا وجماليًا، بل وحتى سياقيًا عاليًا، ويطرح صعوبات أمام المتعلمين والمتحدثين غير الأصليين. تتغير أشكالٌ بعضُ الحروف تبعًا لموقعها في الكلمة، ما يزيد الأمر تعقيدًا.
الصرف والنحو: تُعد قواعد النحو والصرف، واللتان تتناولان بناء الكلمات وتصريفها، من أغنى ميزات العربية. تُستمد الكلمات العربية في أغلبها من جذور ثلاثية تتكون من ثلاثة أصوات، وتُعدّل هذه الجذور بإضافة حروف زائدة أو تغيير نمط الحركة. على سبيل المثال، من الجذر ك-ت-ب تشتق كلماتٌ مثل “كتاب” و”مكتب” و”كاتب” وغيرها.
التنوع اللغوي: ليست العربية لغةً متجانسةً، بل مجموعةٌ من اللهجات تختلف في النطق والصرف والنحو والمفردات والاستخدام. تُصنف هذه اللهجات إلى عربية مصرية، عربية خليجية، عربية آسيوية، عربية شمال أفريقية. تتنوع كل لهجة في النطق ومخارج الكلمات، ويتفاوت مدى التفاهم بينها حسب طبيعة السياق المجتمعي.
العربية الفصحى الحديثة: هي اللغة المعيارية المستندة إلى لغة القرآن والأدب الكلاسيكي، وتُستخدم في المجالات الرسمية كالتربية والإعلام والأدب والدين. لكنها ليست لغةً أصليةً لأيِّ متحدثٍ وتختلف عن اللهجات العامية بشكلٍ ملحوظ. لذلك، وفي العالم الحداثي الراهن نجد العرب ثنائيو اللغة أو حتى ثلاثيوها، يتحدثون لغتهم العامية والفصحى ولغةً أجنبيةً مثل الإنجليزية أو الفرنسية. وفي أحيان أخرى، نجد تمييعًا وهجرًا للغة الضاد، وهرولة غير منطقية تجاه تعلم اللغات الأجنبية الأخرى بدعوى الرقي والتماهي مع ثقافة العصر.
لغة الضاد بين التحديات والفرص
تواجه العربية تحدياتٍ وفرصًا عديدةً في عالم اليوم. من التحديات: ازدواجية اللغة بين الفصحى والعامية، وانخفاض معدلات القراءة والكتابة في بعض الدول العربية، والصراعات السياسية والاجتماعية في المنطقة، وطغيان الإنجليزية ولغاتٍ أخرى في مجالات العلوم والتكنولوجيا والعولمة.
أما الفرص فتتمثل في: زيادة الطلب على تعلم العربية كلغة أجنبية، والاهتمام المتزايد بالثقافة والأدب العربيين، وتطوير وسائل الإعلام والتقنيات الجديدة التي تسهل الاتصال والتعلم، وإمكانية تعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب والثقافات المختلفة.
وختامًا، يمكن التأكيد على أن اللغة العربية لديها كنز وثروة لتقدمه للعالم، وهي تستحق التقدير والمحافظة عليها من قبل ناطقيها.
وعلينا أن نعمل على نشر جمالياتها وتعزيز مكانتها، حتى تظل لغة الضاد متبوعة لا تابعة، وتبقى لؤلؤةً ساطعةً في عالم اللغات.
إن للغة العربية دورًا حاسمًا في التاريخ، حيث أثرت على اللغات والثقافات والتقاليد الأدبية الأخرى. ويسهم تاريخها الغني واستخدامها الواسع النطاق اليوم في أهميتها الدائمة وأهميتها الخالدة، ناهيك عن أنها لغة القرآن الكريم دستور المسلمين في كافة أرجاء العالم.
ولذلك، أرى بضرورة تعزيز اللغة العربية والحفاظ عليها، فمن الضروري اتخاذ مبادرات ثقافية وأدبية. يمكن أن تشمل هذه الجهود تنظيم فعاليات ومهرجانات ومؤتمرات تسلط الضوء على ثراء الأدب العربي والفنون والتقاليد.
من الأهمية بمكان التأكيد على جمال وعمق اللغة العربية وثقافتها لتعزيز التقدير وإلهام الأجيال القادمة لاحتضانها والحفاظ عليها.
هذا بالإضافة إلى إعادة النظر في مفهوم العروبة الذي لطالما هو مربط الفرس الذي يشكل هوية المنظمة الإقليمية التي يُفترض أنها تضم ٢٢ دولة عربية! وليس أدل على ذلك من ضرورة إعادة النظر، عندما نجد دولة في القارة الأفريقية تُدعى “جنوب أفريقيا” تدعو إلى محاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في محكمة العدل الدولية.
فهل أصبحت جنوب أفريقيا عربية؟ أم أن الدول العربية أصبحت لا تدرك أنها عربية؟ أم أن اللغة العربية خارج نطاق الخدمة؟ أم أننا عرب فقط تحدثًا وكتابةً؟