خبراء ودبلوماسيون ل: استهداف رفح الفلسطينية تحد سافر من إسرائيل للمجتمع الدولى
رغم الدعوات العالمية والتحذيرات الدولية المتصاعدة من تداعيات كارثية، في ظل وجود نحو مليون ونصف نازح فيها، أقدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي على استهداف مدينة رفح الفلسطينية، جنوب قطاع غزة، في تحد سافر للمجتمع الدولي الذي طالب مراراً وتكراراً حكومة تل أبيب بعدم دخول تلك المنطقة المكتظة بالنازحين وبحماية المدنيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية الأساسية.
وقد أجمع خبراء ودبلوماسيون – في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الثلاثاء – على أن استهداف رفح يمثل تصعيداً خطيراً في الحرب الدائرة داخل القطاع منذ سبعة أشهر، كما سيؤدي إلى تداعيات كارثية على أمن منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ولن يجلب سوى مزيد من الدمار والدماء، محذرين من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية والسيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني يهدد التقدم، الذي تم احرازه في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن.
وفي هذا الإطار، أكد المحلل الاستراتيجي، اللواء حمدي بخيت، أن استهداف مدينة رفح الفلسطينية؛ يهدف إلى الضغط على حماس في المراحل النهائية لصفقة الهدنة لاجبار الحركة على القبول بمزيد من التنازلات، أي لتحسين شروط الاتفاق الأخير لصالح إسرائيل، مذكراً بأن حكومة تل أبيب كانت قد أبدت مرونة في الموافقة على المقترح المصري قبل استهداف رفح.
ورأى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح الفلسطينية – حتى الآن – محدودة بالنظر إلى التصرفات الإسرائيلية السابقة في القطاع، وربما قد تنذر بعملية موسعة في ظل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي على استمرار الحرب رغم المعارضة الكبيرة لها، بجانب سعيه لإفساد المفاوضات لأنه يعلم أنها قد تجلب نهايته.
وشدد المحلل الأمني، على أن هدف الحكومة الإسرائيلية يختلف ويتعارض تماماً مع رغبة الشعب اليهودي الذي يطالب بإنجاح المفاوضات وإعادة الرهائن.
ورجح أنه من الممكن أيضاً أن يكون استهداف مدينة رفح ومعبرها الرئيسي؛ يمثل ضغطاً على أهل غزة للنزوح جنوباً لمصر أو للشمال والوسط، بهدف تفريغ القطاع من سكانه وإعادة التوزيع الديمغرافي بما يحقق السيطرة الإسرائيلية عليه.
وسلط الضوء على دور مصر الثابت الذي لا يتغير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ حيث تشدد القاهرة على أنه لا عبث بخريطة أرض فلسطين، وأن الدولة الفلسطينية ستقام على حدود 4 يونيو 1967، وأن الشعب الفلسطيني هو من يحدد مصيره، مبرزاً أن مصر تدين أي تحرك يخالف تلك الثوابت وتحتفظ بحق الرد في الدفاع عن أرضها و أمنها القومي.
فيما قال المحلل الاستراتيجي اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، إن تهديد إسرائيل المستمر باقتحام مدينة رفح الفلسطينية؛ يهدف إلى امتلاك ورقة ضغط على مائدة المفاوضات التي تقودها مصر بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار، بحيث تضرب رفح حال لم توافق حماس على شروطها.
ولفت إلى أن إسرائيل تمتلك “ورقة ضغط”، وهي اقتحام رفح بينما ورقة حماس هي “الرهائن”، منوهاً إلى أن المجتمع الدولي والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حذروا جميعاً من سيناريوا استهداف رفح.
وحذر من أن دخول تلك المدينة الجنوبية؛ سيؤدي إلى خسائر بشرية ضخمة وكارثة إنسانية غير مسبوقة، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال يقوم منذ يومين بقصفات مدفعية في محيط رفح وضربات جوية، بجانب محاولات الدخول جزئياً في بعض المناطق بهدف إقناع حماس والمفاوضين بأنه جاد في الاقتحام وتلك الضربات ما هي إلا مقدمة.
وأوضح أن مصر تقوم بجهود لا تنقطع على أربع مسارات؛ المسار الأول يتعلق بمحاولة الوصول الى اتفاق بين الجانبين ، وهذا المسار تصر عليه القاهرة لوضع حد لنزيف الدماء، والمسار الثاني هو إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع سواء برياً أو عبر الإسقاط الجوي شمال غزة، فضلاً عن حرصها على علاج الحالات الحرجة من المرضى والجرحى الفلسطينيين في مستشفياتها.
وشدد المحلل الأمني – في هذا الصدد – على أن مصر تقدم كل ما تستطيع من الدعم الإنساني لقطاع غزة، مذكراً بأن 80% من إجمالي المساعدات الإغاثية التي دخلت لاهل غزة كانت مساعدات مصرية.
وتابع اللواء هشام الحلبي إن المسار الثالث هو تحذير مصر المستمر لحكومة تل أبيب بشكل رسمي من مغبة استهداف رفح الفلسطينية ومن سياسة حافة الهاوية، أما المسار الرابع هو شرح الأوضاع وتداعيات الأزمة لدول العالم بالكامل وتأثير هذا الاقتحام على الواقع الإنساني و على أمن منطقة الشرق الأوسط برمتها؛ الأمر الذي جعل مختلف الدول بما فيها واشنطن تتبنى موقف مصر وترفض اجتياح رفح وتطالب بإنجاح مفاوضات وقف إطلاق النار.
من جهته، أكد رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، السفير محمد العرابي، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح الفلسطينية، وما نتج عنها من سيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح تعد تصعيداً خطيراً لتطورات الأوضاع في قطاع غزة، وتشكل كذلك تهديداً مباشراً لحياة أكثر من 1.5 مليون فلسطيني.
واعتبر وزير الخارجية الأسبق أن إقدام جيش الاحتلال على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية يكشف خبث النوايا الإسرائيلية المتعلقة بفرص التوصل لهدنة ووقف إطلاق النار، لافتاً إلى أن تلك الخطوة تؤكد استمرار “حكومة نتنياهو” في ضرب القرارات الدولية والقوانين الإنسانية عرض الحائط.
وتابع إن تلك الخطوة الاستفزازية من قبل الاحتلال الإسرائيلي تأتي في وقت ارتفعت فيه فرص التوصل إلى هدنة بفضل جهود الوساطة التي تبذلها مصر بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين، الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل لا تريد وقف آلة حربها الشعواء على المدنيين العزل في قطاع غزة.
وأبرز أن السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح تعني قطع آخر شرايين الحياة بالنسبة للفلسطينيين في غزة، حيث يعد المعبر هو المنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.
ودعا السفير محمد العرابي الأطراف الإقليمية والدولية إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإجباره على المضي قدماً في المفاوضات ووقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق يقضي بتبادل الأسرى والسجناء.
بدوره، قال نائب وزير الخارجية السابق، السفير علي الحفني، إن العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية لن تجلب لإسرائيل الأمن أو الانتصار في تلك الحرب الانتقامية بل سيكون لها عواقب مخيمة لاسيما في ظل تمركز معظم سكان قطاع غزة في تلك المنطقة الجنوبية.
وحذر من ان إسرائيل التي عملت على تجويع سكان قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من اكتوبر الماضي تسيطر – الآن – على معبر رفح من الجانب الفلسطيني الذي يعد شريان الحياة لأهل القطاع؛ نظرا لكونه المنفذ الآمن لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية ولخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج؛ ما يعد تصعيدا خطيراً يستوجب تدخلا فوريا وعاجلا من قبل المجتمع الدولي ومجلس الأمن لصون حياة المدنيين وانقاذ السلم والأمن الإقليميين والدوليين.
ودعا السفير علي الحفني، الولايات المتحدة الأمريكية – الداعم الرئيسي لحكومة تل أبيب والتي استخدمت حق الفيتو لصالح إسرائيل عدة مرات بمجلس الأمن – إلى الاضطلاع بمسئوليتها وردع “حكومة نتنياهو” عن الاستمرار في جرائمها والعودة إلى المفاوضات من اجل انهاء تلك الحرب الانتقامية التي ضحاياها هم المدنيون.
وأنذر بأن التصرفات الإسرائيلية الاستفزازية والمخالفة لكل الأعراف والمواثيق الدولية تهدد الجهود المضنية التي تُبذل للتوصل إلى هدنة وتبادل الرهائن والأسرى، مشدداً على ضرورة تدخل الأطراف المعنية المؤثرة والعمل على إنجاح المفاوضات ووقف إطلاق النار لنزع فتيل الأزمة والتوتر وحقنا لدماء الأبرياء.