صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض والأثمان الباهظة (7)
عبدالملك من الإرتقاء بالأرواح .. إلي إزهاق الأرواح !
يستحق عبدالملك بن مروان وقفة متأنية، ليس لأنه المؤسس الثاني للدولة الأموية ، وإنما لأنه الخليفة الوحيد في الإسلام الذي كان فقيها من قمة رأسه إلي أخمص قدميه قبل الملك والسلطان .. كان فقيها يرتقي بالأرواح ويقربها من الله قأصبح من اجل الملك والسلطان يزهق الأرواح !! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذه صورة عبد الملك قبل الخلافة كما جاءت في كتاب تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي:
قال نافع مولي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأحد أئمة التابعين بالمدينة المنورة : لقد رأيت المدينة و ما بها شاب أشد تشميرا و لا أفقه و لا أنسك و لا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان.
و قال أبو الزناد وهو تابعي فقيه: فقهاء المدينة أربعة، سعيد بن المسيب و عبد الملك بن مروان و عروة بن الزبير و قبيصة بن ذؤيب.
و قال الإمام الكبير قاضي طبرية عبادة بن نسي: قيل لابن عمر رضي الله عنهما : إنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن تنقرضوا فمن نسأل بعدكم ؟ فقال : إن لمروان ابنا فقيها فاسألوه (يقصد عبد الملك ).
و قال سحيم مولى أبي هريرة رضي الله عنه: دخل عبد الملك و هو شاب على أبي هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة: هذا يملك العرب.
و قال الشعبي إمام الكوفة وعالمها : ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذكرته حديثا إلا و زادني فيه و لا شعرا إلا و زادني فيه.
و قال يحيى الغساني: كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء فقالت له مرة: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك و العبادة قال: إي و الله، والدماء قد شربتها.
(الطلاء هو عصير العنب مطبوخا وأحل بعض العلماء شربه بضوابط وشروط معينة منها ألا يصل لدرجة الغليان .. لأنه إذا وصل لدرجة الغليان أصبح مسكرا وكل مسكر حرام .. يعني أم الدرداء كانت مندهشة من الفقيه عبدالملك كيف يشرب الطلاء فأزال اندهاشها بقوله إنه فعل ماهو أبشع وأجرم وأشنع وهو شرب الدماء!!
و قال يحيى الغساني أيضا : لما نزل جيش مسلم بن عقبة المدينة دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك: أمن هذا الجيش أنت ؟ قلت : نعم، قال : ثكلتك أمك ! أتدري إلى من تسير؟ .. إلى أول مولود ولد في الإسلام وإلى ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ابن ذات النطاقين و إلى من حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، (يقصد عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ) أما و الله إن جئته نهارا وجدته صائما و لئن جئته ليلا لتجدنه قائما، فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعا في النار، فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه!!
(لا نقول إن الفقه قد خسر عبد الملك فالفقه لا يخسر أحدا بل إن عبد الملك هو الذي خسر كثيرا بعد أن ابتلي بالملك، لأنه جاء علي حساب دماء غزيرة سالت وأرحام قطعت وجرائم أرتكبت، وندمه الشديد وهو علي فراش الموت يدل علي فداحة مافعله .. ولكن هكذا الملوك دائما لايندمون إلا بعد فوات الأوان).
ونكمل في الحلقة المقبلة إن شاء الله .