أصبح حب العلم في هذا الزمان ابتلاء وأي ابتلاء .. أبدأ أتأفأف وأتململ حينما أفتح التلفاز أو الفيس لأرى ما أرى.
أصب اللعنات على نفسي، حينما أقرأ لطه حسين أو جلال الدين الرومي أو سارتر وما يحدثوه من زخم فكري في نفسي، لأرى خلافه في تلك الوسائل التي بدأت ترهقني فكريا ونفسيا وتشعرني بالاغتراب.
لكن ما السبب في هذا التهافت على التفاهة من قبل هؤلاء؟ .. نحن المسؤولون .. كلنا فاسدون لا أستثني أحدا على هذا التهافت القميء.
نحن الذين جعلناهم يركضون نحو هذه التفاهة .. نحن من أطلقنا الضحكات المجلجلة وأسمعنا من كان به صمم صافرات إعجابنا بهذا المحتوى.
نحن من جعلنا إنسانا لا يقدم شيئا إلا أن يوضح آراءه «المتفزلكة» في الطعام مشهورا حتى ولو كرهناه وصببنا عليه أفظع الشتائم، فالموضوع لم يصبح الآن حبا وكرها بل أصبحنا في عالم رقمي تسوقه الأرقام والمشاهدات.
نحن من جعلنا شخصا يدعى «نيكوكادو أفوكادو» كان يقدم محتوى عن الطعام الصحي لكن الطعام الصحي لا يدهش ولا يضحك ولا يسمن ولا يغني من جوع، وأنا أدعوك عزيزي القارئ للاطلاع على محتواه الآن ليس من باب رؤية محتواه السخيف – نعم السخيف- فقد تحول من الطعام الصحي إلى طعام لا أقول غير صحي ولكنه صورة للعبث الذي وصلنا إليه فالرجل الذي كان يزن 50كيلو أصبح الآن 150 كيلو.
إنها الشهرة والركض وراء هذا السراب، فالرجل وثب وثبة الأسد على ما يحبه المشاهدون، لكن المشاهدين لم يرحموه، بعد أن تخطى150 كيلو بل تبرؤوا منه وتخلوا عنه أو قل ملوا منه .. يريدون أن يستهلكوا غيره يريدون الضحك على غيره يتمنون تحطيم غيره.
هذا المشاهد القابع وراء الشاشة بأمراضه النفسية وعقده المخفية .. إنه تجسيد لصورة العالم الاستهلاكي الآن فالجمهور استهلك الرجل تماما وبدأ يبحث عن غيره.
واعذرني على الإطالة فأنا أعلم أن مقالي طويل جدا عليك ! فأنا ابن هذا المجتمع الاستهلاكي الذي حرصت القوة العظمى فيه على تحويل الإنسان إلى مستهلك .. مستهلك فقط عزيزي.
ليس فقط مستهلكا للمنتجات والتريندات و«الحبشتكنات» وإنما مستهلكاً لمشاعره وعواطفه التي أصبحت الآن عواطف آلية «روبوتية» مليئة بالجفاء.
لا تقلق من الذكاء الاصطناعي، فأنا أعلم أن المستقبل يشغلك، لكن الإنسان قرر التخلي عن سلاحه الأول، مشاعره وعواطفه وسينجح في خوض حربه مع هذا الذكاء الآلي الخالي من الحب، فكلاهما سواء
ولا يوجد إلا حل واحد للخروج من هذه الأزمة .. المحبة .. المحبة بين الناس.